للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ لَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ١ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إفْطَارِ الصَّائِمِ، فَحَجَمَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ: كَمْ خَرَاجُك؟ قَالَ: صَاعَانِ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْهُ صَاعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ ابْنَ حِبَّانَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، فَكَانَ مُفْطِرًا بِالْحِجَامَةِ، فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا لَا يَصْلُحُ٢ جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ غَيْرُ نَاجِحٍ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهُ، وَمِنْ الْخُصُومِ مَنْ ادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَقَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ"٣، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمَاعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا، وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ النَّبِيِّ عليه السلام عَامَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَحَدِيثُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ" فِي الْفَتْحِ، سَنَةَ ثَمَانٍ، قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ: إنَّهُ عليه السلام مَرَّ بِهِمَا، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، وَالْفِطْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى سُقُوطِ الْأَجْرِ، كَمَا رَوَى: مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"، انْتَهَى. أَيْ سَقَطَ أَجْرُهُ، وَكَمَا رُوِيَ: أَنَّ رَجُلًا تَكَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَا جُمُعَةَ لَك، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "صَدَقَ" أَيْ سَقَطَ أَجْرُك بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"٤ مِنْ حَدِيثٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَأَلَ


١ قال في "الزوائد" ص ١٦٩: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح، اهـ. قال ابن أبي حاتم في "العلل" ص ٢٥٥ ج ١: وسألت أبي فقال: حديث منكر، ولا يصح سماع جعفر بن برقان من أبي الزبير، اهـ.
٢ في نسخة الدار "وهذا يصلح جواباً ثانياً" الخ، ولعله ههنا أجود، وإن كان لكليهما وجهة الصحة، والله أعلم، وعلمه أتم "البجنوري".
٣ وفي "السنن" ص ٢٦٨، أقول: جواب الشافعي إنما ينهض بهما عند التصريح بالرؤية، وإلا فقد قال المخرج في "باب الامامة" في أحاديث الخصوم بعد الحديث الرابع والستين: ص ٢٤٩ ج ١: إن جميع مسموعاته سبعة عشر حديثاً، اهـ وقال ابن حزم في "الفصل" ص ١٣٨ ج ٤: قد وجدنا مسند جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة، اهـ. وروى عنه حديث الافطار أيضاً، كما في "الزوائد" ص ١٦٩ ج ٣.
٤ البخاري في "باب الحجامة والقئ للصائم" ص ٢٦٠، وأخرج أبو داود في: ص ٣٣٠ عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه، قال النووي في "شرح المهذب": ص ٣٤٩ ج ٦: إسناده على شرط البخاري، ومسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>