للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَرْأَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ يَعْنِي فِي الْجِمَاعِ لِأَنَّ "مَنْ" تُطْلَقُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ أَحْمَدُ، وَالْحَدِيثُ لَمْ أَجِدْهُ، وَلَكِنْ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبِهِ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"١ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَّقَ التَّكْفِيرَ بِالْإِفْطَارِ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"٢ عَنْ يَحْيَى الحماني حدثنا هشيم عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، انْتَهَى. قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ، أَكْلًا، أوشرباً، أَوْ جِمَاعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْجِمَاعِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ٣، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْجِمَاعِ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوِ الْعِشْرِينَ رَجُلًا، ذَكَرَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ٤، فَقَالُوا فِيهِ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ٥: وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُقَيَّدَةً بِالْوَطْءِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، لِزِيَادَةِ حِفْظِهِمْ، وَأَدَائِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ، كَيْفَ! وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً،


١ قلت: حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم في "باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم" ص ٣٥٥، والطحاوي في "شرح الآثار" ص ٣٢٨، كلاهما عن ابن جريج عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة، ومالك في "موطأه" ص ٩٠، وأبو داود في "باب كفارة من أتى أهله في رمضان" ص ٣٣٢، والدارمي: ص ٢١٧ والدارقطني: ص ٢٥١، والشافعي في "كتاب الأم": ص ٨٤ ج ٢، كلهم عن مالك عن ابن شهاب به، ولم أجد حديث أبي هريرة هذا في البخاري، والله أعلم.
٢ الدارقطني: ص ٢٤٣.
٣ قلت: هو في البخاري في "باب إذا جامع في رمضان" ص ٢٥٩، وفي مسلم: ص ٣٥٥.
٤ روى عن بعض منهم مقيدة في: ص ٢٢٤ ج ٤، وسمى آخرين، ولم يرو عنهم، وأكثر الدارقطني ص ٢٥١ في ذكر أسماء من وافق مالكاً وتابعه، كابن جريج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعدّ منهم ثلاثة عشر رجلاً، ومن خالفه، وروى مقيدة بالوطء، وعدّ منهم واحداً وثلاثين راوياً، وبعض منهم له، كالروايتين، والله أعلم.
٢ البيهقي في "سننه الكبرى" ص ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>