للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْخَطِيب فِي " الْفَقِيه والمتفقه": أخبرنَا أَبُو بشر مُحَمَّد بن عمر الْوَكِيل أخبرنَا عمر بن أَحْمد بن الْوَاعِظ ثَنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة ثَنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش حَدثنِي الْحسن بن عبيد الله النَّخعِيّ، قَالَ: قلت لإِبراهيم: أكل مَا أسمعك تُفْتِي بِهِ سمعته؟ فَقَالَ لي: لَا، قلت: تُفْتِي بِمَا بِمَا لم تسمع؟!، فَقَالَ: سَمِعت الَّذِي سَمِعت، وَجَاءَنِي مَا لم أسمع، فقسته بِالَّذِي سَمِعت، اهـ. وَهَذَا هُوَ الْفِقْه حَقًا، وبمثل هَذَا الإِمَام الْجَلِيل تفقه حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، شيخ أبي حنيفَة، وَكَانَ حَمَّاد شَدِيد الْمُلَازمَة لإِبراهيم، قَالَ أَبُو الشَّيْخ فِي "تَارِيخ أَصْبَهَان": حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بن هَارُون بن سُلَيْمَان بن يَحْيَى بن سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: حَدثنِي أبي عَن جدي، قَالَ: وَجه إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ حماداً، يَوْمًا يَشْتَرِي لَهُ لَحْمًا بدرهم، فِي زنبيل، فَلَقِيَهُ أَبوهُ رَاكِبًا دَابَّة، وبيد حَمَّاد الزنبيل، فزجره، وَرَمَى بِهِ من يَده، فَلَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيم جَاءَ أَصْحَاب الحَدِيث، والخراسانية يدقون عَلَى بَاب مُسلم بن يزِيد - وَالِد حَمَّاد -، فَخرج إِلَيْهِم فِي اللَّيْل بالشمع، فَقَالُوا: لسنا نريدك، نُرِيد ابْنك حماداً، فَدخل إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بني! قُم إِلَى هَؤُلَاءِ، فقد علمت أَن الزنبيل أَدَّى بك إِلَى هَؤُلَاءِ، اهـ.

وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ، قبيل هَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن الْحسن، قَالَ: سَمِعت ابْن خَالِي عبيد بن مُوسَى، يَقُول سَمِعت جدتي، تَقول عَن جدَّتهَا الْكُبْرَى عَاتِكَة، أُخْت حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: قَالَت: كَانَ النُّعْمَان ببابنا يندف قطننا، ويشري لبننا وبقلنا، وَمَا أشبه ذَلِك، فَكَانَ إِذا جَاءَ الرجل يسْأَله عَن الْمَسْأَلَة، قَالَ: مَا مسألتك؟ قَالَ: كَذَا. وَكَذَا، قَالَ: الْجَواب فِيهَا، كَذَا، ثمَّ يَقُول: عَلَى رِسلك، فَيدْخل إِلَى حَمَّاد، فَيَقُول لَهُ: جَاءَ رجل، فَسَأَلَ عَن كَذَا، فأجبته بِكَذَا، فَمَا تَقول أَنْت؟ فَقَالَ: حدثونا بِكَذَا، وَقَالَ أَصْحَابنَا، كَذَا، وَقَالَ: إِبْرَاهِيم كَذَا، فَيَقُول: فأروي عَنْك؟ فَيَقُول: نعم، فَيخرج فَيَقُول: قَالَ حَمَّاد، كَذَا، اهـ. هَكَذَا كَانَت مُلَازمَة بَعضهم لبَعض، وخدمة بَعضهم لبَعض، أَوَان الطّلب، وَبِهَذَا نالوا بركَة الْعلم. وَقد أخرج ابْن عدي فِي "الْكَامِل" بطرِيق يَحْيَى بن معِين عَن جرير عَن مُغيرَة، قَالَ: قَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: "لقِيت قَتَادَة، وطاوساً، ومجاهداً، فصبيانكم أعلم مِنْهُم، بل صبيان صِبْيَانكُمْ أعلم مِنْهُم" إِنَّمَا قَالَه هَذَا تحديثاً بِالنعْمَةِ، وردا عَلَى بعض شُيُوخ الرِّوَايَة، مِمَّن لم يُؤْت نَصِيبا من الْفِقْه، حَيْثُ كَانَ يُفْتِي فِي مَسْجِد الْكُوفَة، غَلطا، وَيَقُول: لَعَلَّ هُنَاكَ صبياناً يخالفوننا، فِي هَذِه الْفَتَاوَى، وماذا يُفِيد تقدم السن فِي الرِّوَايَة لمن حرم الدِّرَايَة، وَيُرِيد بالصبيان التلاميذ، وَقد أخرج ابْن عدي فِي "الْكَامِل" بطرِيق يَحْيَى بن معِين عَن ابْن إِدْرِيس عَن الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الْملك بن إِيَاس الشَّيْبَانِيّ، أَنه قَالَ: قلت لإِبراهيم: من نسْأَل بعْدك؟ قَالَ: حماداً، اهـ، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان هَذَا، توفّي سنة ١٢٠.

وَقَالَ العقييلي: حَدثنَا أَحْمد بن مَحْمُود الْهَرَوِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة الْبَلْخِي، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَصْبَهَانِيّ، قَالَ: لما مَاتَ إِبْرَاهِيم اجْتمع خَمْسَة من أهل الْكُوفَة، فيهم عمر بن قيس الماصر، وَأَبُو حنيفَة، فَجمعُوا أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، وجاؤوا إِلَى الحكم بن عتيبة، فَقَالُوا: إِنَّا قد جَمعنَا أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، نَأْتِيك بهَا، وَتَكون رئيسنا. فَأَبَى عَلَيْهِم الحكَم، فَأتوا حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، فَقَالُوا، فأجابهم، اهـ، وَبِهَذَا الْقدر نكتفي من أنباء هَذِه الطَّبَقَة، لِكَثْرَة رجالها، وتشعب أنبائها، مُقْتَصرا عَلَى سَوْق خبريْن، مِمَّا يدل عَلَى اتساع الْكُوفَة فِي الرِّوَايَة والدراية، فِي تِلْكَ الطَّبَقَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>