للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ" فَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ إلَّا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ - يَعْنِي تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ - بَلْ ذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْآخَرِ، وَلَفْظُهُ: " إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتهَا"، وَفِي لَفْظٍ: فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا نَسِيتهَا.

وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا ١ بِاللَّفْظَيْنِ، فَرِوَايَةُ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا حُجَّةٌ للشافعية، لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ بِالْفَاءِ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، الثَّانِي: أَنَّهُمْ مُعَارِضُونَ بِرِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحِنْثِ، وَلِذَلِكَ عَقَدَ لَهَا النَّسَائِيّ "بَابَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْحِنْثِ"٢، وَقَدْ تَقْوَى رِوَايَةُ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ بِفِعْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ٣، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ كَانُوا يُكَفِّرُونَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ نَحْوَهُ، الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَقَّبَ الْجُمْلَتَيْنِ، وَالْوَاوُ بَيْنَهُمَا لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي "آيَةِ الْوُضُوءِ"، بَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْعَطْفِ - بِثُمَّ - وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَقَعَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَالثَّانِي: مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَالثَّالِثُ: مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ.

فَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ٤، قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى القطعي، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك، ثُمَّ آتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ.

وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" ٥ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لَا يَحْنَثُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: "لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا كَفَّرْت عَنْ


١ في "النذور والأيمان" ص ٤٨ - ج ٢.
٢ وقد أخرج الهيثمي عن معاوية بن الحكم السلمي، وعن عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه، وعن عبد الله بن عمرو، قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حلف على يمين فرأى خيراً منها، فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير" ص ١٨٤ - ج ٤.
٣ راجع النسائي في "النذور والأيمان - باب الكفارة بعد الحنث" ص ١٤٤ - ج ٢، وأخرج فيه حديث عدي بن حاتم، وأبي الأحوص عن أبيه، وعبد الرحمن بن سمرة.
٤ عند أبي داود في "الأيمان والنذور - باب الحنث إذا كان خيراً" ص ١٠٩ - ج ٢، وعند النسائي في "باب الكفارة قبل الحنث" ص ١٤٤ - ج ٢.
٥ في "الأيمان والنذور" ص ٣٠١ - ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>