وقص عليه قصته وكيف صنع به.
فقال: أنت صاحبه وأنت أمير بيت المقدس وأميرنا ههنا فمرني بما شئت.
قال: يا أمير المؤمنين، ابعث معي قوما لا يفهمون الكلام.
فأمر أربعين رجلا من فرغانة فقال: انطلقوا مع هذا فما أمركم به من شيء فأطيعوه.
قال: وكتب إلى صاحب بيت المقدس أن فلانا هو الأمير عليك حتى يخرج، فأطعه فيما أمرك به.
فلما تقدم بيت المقدس أعطاه الكتاب فقال: مرني بما شئت.
فقال: اجمع لي كل شمعة تقدر عليها ببيت المقدس وادفع كل شمعة إلى رجل ورتبهم على أزقة بيت المقدس وزواياه، فإذا قلت: أسرجوا أسرجوا جميعا فرتبهم في أزقة بيت المقدس وزواياه بالشمع.
وتقدم البصري إلى منزل الحارث فأتى الباب، فقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله.
قال: في هذه الساعة؟ ما يؤذن عليه حتى يصبح.
قال: أعلمه أني ما رجعت إلا شوقا إليه قبل أن أصل.
فدخل عليه وأعلمه بكلامه فأمره بفتح الباب.
قال: ثم صاح البصري: أسرجوا الشموع.
فأسرجت حتى كانت كأنها النهار ثم قال: من مر بكم فاضبطوه كائنا من كان.
دخل هو إلى الموضع الذي يعرفه فطلبه فلم يجده فقال أصحاب الحارث هيهات تريدون تقتلون نبي الله قد رفع إلى السماء.
قال: فطلبه في شق قد هيأه سربا، فأدخل البصري يده في ذلك السرب فإذا هو بثوبه فاجتره فأخرجه إلى خارج، ثم قال للفرغانيين: اربطوه.
فربطوه.
فبينما هم يسيرون به على البريد إذ قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله.
فقال رجل من الفرغانيين أولئك العجم هذا كرامتنا فهات كرامتك أنت.
وساروا به حتى أتوا به عبد الملك فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت فصلبه وأمر بحربة وأمر رجلا فطعنه فلما صار إلى ضلع من أضلاعه فانكفأت الحربة عنه فجعل الناس يصيحون ويقولون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح.
فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ثم مشى إليه وأقبل يتجسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بها فأنفذها فقتله.
قال الوليد: بلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك بن مروان فقال: لو حضرتك ما أمرتك بقلته.
قال: ولم؟ قال: إنما كان به المذهب فلو جوعته ذهب عنه.
وروى أبو الربيع عن شيخ أدرك القدماء: فلما حمل الحارث على البريد وجعلت في عنقه جامعة من حديد وجمعت يده إلى عنقه فأشرف على عقبة بيت المقدس تلى هذه الآية: ﴿قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما