عمرو بن أبي مدعور ثنا عبد العزيز بن محمد نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ﵂:«أن رسول الله ﷺ كان يستقي له الماء العذب من بئر السقيا».
قال المصنف: وينبغي أن يعلم أن الماء الكدر يولد الحصا في الكلى والسدد في الكبد، وأما الماء البارد فإنه إذا كانت برودته معتدلة فإنه يشد المعدة، ويقوي الشهوة، ويحسن اللون، ويمنع عفن الدم وصعود البخارات إلى الدماغ ويحفظ الصحة، وإذا كان الماء حارا أفسد الهضم وأحدث الترهل وأذبل البدن، وأدى إلى الاستسقاء والدق، فإن سخن بالشمس خيف منه البرض، وقد كان بعض الزهاد يقول: إذا أكلت الطيب وشربت الماء البارد متى تحب الموت.
وكذلك قال أبو حامد الغزالي: إذا أكل الإنسان ما يستلذه قسا قلبه وكره الموت، وإذا منع نفسه شهواتها وحرمها لذاتها اشتهت نفسه الإفلات من الدنيا بالموت.
قال المصنف ﵀: واعجبا كيف يصدر هذا الكلام من فقيه! أترى لو تقلبت النفس في أي فن كان من التعذيب ما أحبت الموت، ثم كيف يجوز لنا تعذيبها وقد قال ﷿: ﴿لا تقتلوا أنفسكم﴾ ورضي منا بالإفطار في السفر رفقا بها وقال: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ أو ليست مطيتنا التي عليها وصولنا.
وكيف لا نأوي لها وهي التيبها قطعنا السهل والحزونا
وأما معاقبة أبي يزيد نفسه بترك الماء سنة فإنها حالة مذمومة لا يراها مستحسنة إلا الجهال، ووجه ذمها أن للنفس حقا ومنع الحق مستحقه ظلم، ولا يحل للإنسان أن يؤذي نفسه، ولا أن يقعد في الشمس في الصيف بقدر ما يتأذى، ولا في الثلج في الشتاء.