فَأَجَابَهُ، وَكَادَ يَطِيرُ فَرَحاً، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا عَشْرَةُ أَنْفُسٍ فَلاَ.
فَرَاجَعَهُ الحَسَنُ فِيْهِم، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّيْ قَدْ آلَيْتُ مَتَى ظَفِرْتُ بِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ أَنْ أَقْطَعَ لِسَانَهُ وَيَدَهُ.
فَقَالَ: لاَ أُبَايِعُكَ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِرَقٍّ أَبْيضَ، وَقَالَ: اكتُبْ مَا شِئْتَ فِيْهِ، وَأَنَا أَلتَزِمُهُ.
فَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ.
وَاشْتَرطَ عَلَيْهِ الحَسَنُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ الأَمْرُ مِنْ بَعْدِهِ، فَالْتَزمَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُعَاوِيَةُ.
فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ انفَلَّ حَدُّهُم، وَانكسَرَتْ شَوْكتُهُم.
قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ بَايَعَ عَلِيّاً أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً عَلَى المَوْتِ، فَوَاللهِ لاَ يُقتَلُوْنَ حَتَّى يُقتَلَ أَعْدَادُهُم مِنَّا، وَمَا -وَاللهِ - فِي العَيشِ خَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ (١) .
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَسَلَّمَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الأَوَّلِ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ (٢) .
قَالَ: وَمَاتَ - فِيْمَا قِيْلَ - سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ (٣) .
قَالَ: وَرَوَيْنَا مِنْ وُجُوْهٍ: أَنَّ الحَسَنَ لَمَّا احتُضِرَ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ:
يَا أَخِي! إِنَّ أَبَاكَ لَمَّا قُبِضَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَشْرَفَ لِهَذَا الأَمْرِ، فَصَرَفَهُ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ، تَشَرَّفَ أَيْضاً لَهَا، فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا احتُضِرَ عُمَرُ، جَعَلَهَا شُوْرَى، أَبِي (٤) أَحَدُهُم، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهَا لاَ تَعْدُوْهُ، فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، بُوْيِعَ، ثُمَّ نُوزِعَ حَتَّى جَرَّدَ السَّيْفَ وَطَلَبَهَا، فَمَا صَفَا لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِنِّي -وَاللهِ - مَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ اللهُ فِيْنَا - أَهْلَ البَيْتِ - النُّبُوَّةَ وَالخِلاَفَةَ؛ فَلاَ أَعْرِفَنَّ مَا اسْتَخَفَّكَ سُفَهَاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَأَخرَجُوكَ، وَقَدْ كُنْتُ طَلَبتُ إِلَى عَائِشَةَ أَنْ أُدفَنَ فِي حُجرَتِهَا؛ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهَا حَيَاءً، فَإِذَا مَا مِتُّ، فَاطلُبْ ذَلِكَ
(١) " الاستيعاب " ١ / ٣٧٠، ٣٧١.
(٢) " الاستيعاب " ١ / ٣٧٢.
(٣) " الاستيعاب " ١ / ٣٧٤
(٤) لفظ " أبي " تحرف في المطبوع إلى " إلى ".