للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، والْحُدَيْبِيَةُ بِئْر، فَنَزَحْنَاهَا، فَلَمْ نَتْرُكْ فِيْهَا قَطرةً، فَبلَغَ ذَلِكَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَاهَا، فَجَلَسَ على شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءِ، فتَوَضَّأ، ثمَّ مَضْمَضَ ودَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثمَّ إنَّهَا أصْدَرَتنا ما شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا".

ــ

فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال: إنكم ترون أن الفتح المذكور في الآية هو فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً عظيماً للمسلمين، حيث أصبحت به مكة دار إسلام، وطهر الله فيه بيته الحرام من الشرك وعبادة الأصنام، وصدق الله وعده، ونصر عبده، ولكننا نرى أن الفتح المبين المذكور في الآية هو صلح الحديبية، ثم ذكر البراء في بقية حديثه أن عدد الذين خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية ألف وأربعمائة، وقد نزلوا على بئر الحديبية، فلم يجدوا فيه إلاّ القليل من الماء، فلم يلبثوا حتى شربوه، ولم يبق فيه قطرة ماء، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - على حرفها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ منه، ودعا الله تعالى، ثم أفرغ ما تبقى منه في البئر، فصار الماء يتفجر فيها بغزارة قال حتى شربنا منها جميعاً، وسقينا دوابنا، ورجعنا عنها، وقد روينا كما في رواية زهير حيث قال: فأرووا أنفسهم وركابهم، وهذا كله، بفضل بركته - صلى الله عليه وسلم -. الحديث: أخرجه البخاري.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن صلح الحديبية كان فتحاً عظيماً للمسلمين، ولذلك سماه الله تعالى فتحاً مبيناً، وأنزل فيه قوله عز وجل (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال الزهري: فما فتح في الإِسلام فتح قبله كان أعظم منه، حيث كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس، وكلّم بَعْضُهُمْ بَعْضاً، فلم يُكَلَّمْ أحد في الإِسلام يعقل (١) شيئاً إلَّا دخل فيه،


(١) قوله: " يعقل شيئاً " أي يفهم الأشياء فهماً صحيحاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>