وذلك بحضور النبي - صلى الله عليه وسلم - فصاحت نساؤهم عند قتلهم، وشققن جيوبهن، ونشرن شعورهن، وضربن خدودهن، وملأت المدينة نواحاً، وجمعت ما في حصونهم، فخمس النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك مع النَّخل والسبي، ثم بعث بالسبايا فباعها في نجد، واشترى بثمنها خيلاً وسلاحاً، واصطفي لنفسه ريحانة بنت عمرو، ولما استأصل بنو قريظة لم تقم لليهود بعد ذلك قائمة، وخضع المنافقون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وطهرت المدينة من الخونة والغادرين. ثالثاً: استغل بعض المغرضين قصة مقتل بني قريظة في إثارة الشبهات ضد النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال في فيض الباري: اتفق لي مرة أن أسقفاً من النصارى سأل مسلماً إن نبيكم لو كان صادقاً فلم قتل ستمائة نفس من اليهود، وأنا أنظر ما يجيب، فرأيت المسلم عاجزاً عن الجواب، فبادرت إليه قائلاً: وهل تخبرني كم مرة عفا عنهم مع غدرهم؟ فما جزاء الغدر في شريعتكم، فسكت، وسكوته يدل على أن جزاءه القتل، ثم قلت: أنا أعلم بكتابكم منكم. والمطابقة: كما قال العيني: تفهم من معنى الحديث، وذلك أن نزولهم على حكم سعد رضي الله عنه كان بعد خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم (١).
أما أسبابها: فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامه أنه دخل مكة، وطاف بالبيت معتمراً، فأخبر أصحابه فاستبشروا بذلك، فتاقت نفوسهم إلى الطواف بالكعبة، واشتد حنينهم لمكة وخرج - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في ذي القعدة سنة ست
(١) وإنما اخترت هذا الحديث من بين أحاديث الباب الأخرى رغم خفاء المطابقة فيه لما اشتمل عليه من فوائد عظيمة.