معتمراً لا يريد حرباً، ومعه ألف وخمسمائة، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة ليعلم الناس أنه خرج زائراً للبيت، معظماً له، حتى كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت راحلته، فقالوا: خلأت القصواء، أي وقفت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما خلأت القصواء -أي ما وقفت بنفسها عن سوء طبع فيها، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل- إشارة إلى فيل أبرهة، الذي حبسه الله عن دخول مكة، والَّذِي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله، ويسألونني فيها صلة الرحم، إلا أعطيتهم إياها " ثم زجرها فوثبت به تعدو حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، وفزعت قريش لنزوله - صلى الله عليه وسلم - عليهم، فأحب أن يبعث إليهم رجلاً من أصحابه، فعرض على عمر أن يذهب إليهم فقال: يا رسول الله ليس بمكة أحدٌ من بني عدي بن كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها وإنه مبلغ ما أردت، فأرسل إليهم عثمان ليخبرهم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأت لقتال، وإنما جاء معتمراً، وتأخر عثمان في مكة، وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البيعة، فثار المسلمون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا، وأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد نفسه، وقال: هذه عن هذه عن عثمان، فكانت هذه هي بيعة الرضوان التي وقعت تحت شجرة سمرة في الحديبية، فأنزل الله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ولعل هذا أيضاً من أسباب تسميتها بغزوة الحديبية، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه مقتل عثمان عزم على مناجزتهم وقتالهم، وبايع أصحابه على أن لا يفروا، وبينما هو كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من خزاعة يسأله عما جاء به، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " إنا لم نجىء لقتال، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد أنهكتهم الحرب، فإن شاءوا ماددتهم، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإن أبوا إلَّا القتال، فوالذي نفسي بيده