للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض البلاد، فبلغ ذلك أسد الدين شيركوه فاستأذن الملك نور الدين في العود إليها، وكان كثير الحنق على الوزير شاور، فأذن له فسار إليها في ربيع الآخر ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب وقد وقع في النفوس أنه سيملك الديار المصرية، وفي ذلك يقول عرقلة المسمى بحسان الشاعر:

أقول (١) والأتراك قد أزمعت … مصر إلى حرب الأعاريب

رب كما ملكها يوسف … الصديق من أولاد يعقوب

فملكها في عصرنا يوسف … الصادق من أولاد أيوب

من لم يزل ضراب هام العدا … حقا وضراب العراقيب

ولما بلغ الوزير شاور قدوم أسد الدين والجيش معه بعث إلى الفرنج فجاؤوا من كل فج إليه، وبلغ أسد الدين ذلك من شأنهم، وإنما معه ألفا فارس، فاستشار من معه من الامراء فكلهم أشار عليه بالرجوع إلى نور الدين، لكثرة الفرنج، إلا أميرا واحدا يقال له شرف الدين برغش، فإنه قال: من خاف القتل والأسر فليقعد في بيته عند زوجته، ومن أكل أموال الناس فلا يسلم بلادهم إلى العدو، وقال مثل ذلك ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، فعزم الله لهم فساروا نحوا الفرنج فاقتتلوا هم وإياهم قتالا عظيما، فقتلوا من الفرنج مقتلة عظيمة، وهزموهم، ثم قتلوا منهم خلقا لا يعلمهم إلا الله ﷿، ولله الحمد.

[فتح الإسكندرية على يدي أسد الدين شيركوه]

ثم أشار أسد الدين بالمسير [إلى الإسكندرية] (٢) فملكها (٣) وجبى أموالها، واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين يوسف وعاد إلى الصعيد فملكه، وجمع منه أموالا جزيلة جدا، ثم إن الفرنج والمصريين اجتمعوا على حصار الإسكندرية ثلاثة أشهر لينتزعوها من يد صلاح الدين، وذلك في غيبة عمه في الصعيد، وامتنع فيها صلاح الدين أشد الامتناع، ولكن ضاقت عليهم الأقوات وضاق عليهم الحال جدا، فاسر إليهم أسد الدين فصالحه شاور الوزير عن الإسكندرية بخمسين ألف دينار، فأجابه إلى ذلك، وخرج صلاح الدين منها وسلمها إلى المصريين، وعاد إلى الشام في منتصف شوال، وقرر شاور للفرنج على مصر في كل سنة مائة ألف دينار، وأن يكون لهم شحنة (٤) بالقاهرة،


(١) سقطت من الأصل، واستدركت من الروضتين ١/ ٢/ ٣٦٤.
(٢) سقطت من الأصل، واستدركت من تاريخ ابن الأثير وتاريخ ابن خلدون.
(٣) في الروضتين ١/ ٢/ ٣٦٥: تسلمها من غير قتال، سلمها إليه أهلها (انظر الكامل ١١/ ٣٢٦).
(٤) في الأصل ما يقام للدواب من العلف الذي يكفيها يومها وليلتها. وشحنة البلد من فيه الكفاية لضبطها من قوات الامن. والشحنكية: رئاسة الشرطة. (القاموس المحيط).

<<  <  ج: ص:  >  >>