للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معها أختها شيرين التي وهبها رسول الله لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان. ويقال أهدى المقوقس معهما جاريتين أخريين، فيحتمل أنهما كانتا خادمتين لمارية وسيرين. وأهدى معهن غلاما خصيا اسمه مابور، وأهدى مع ذلك بغلة شهباء اسمها الدلدل، وأهدى حلة حرير من عمل الإسكندرية. وكان قدوم هذه الهدية في سنة ثمان. فحملت مارية من رسول الله بإبراهيم ، فعاش عشرين شهرا، ومات قبل أبيه رسول الله بسنة سواء. وقد حزن عليه رسول الله وبكى عليه وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، وقد تقدم ذلك في سنة عشر. وكانت مارية هذه من الصالحات الخيرات الحسان. وقد حظيت عند رسول الله وأعجب بها، وكانت جميلة ملاحة، أي حلوة، وهي تشابه هاجر سرية الخليل، فإن كلا منهما من ديار مصر وتسراها نبي كريم، وخليل جليل، .

[ثم دخلت سنة سبع عشرة]

في المحرم منها انتقل سعد بن أبي وقاص من المدائن إلى الكوفة، وذلك أن الصحابة استوخموا المدائن، وتغيرت ألوانهم وضعفت أبدانهم، لكثرة ذبابها وغبارها. فكتب سعد إلى عمر في ذلك، فكتب عمر: إن العرب لا تصلح إلا حيث يوافق إبلها (١). فبعث سعد حذيفة وسلمان بن زياد يرتادان للمسلمين منزلا مناسبا يصلح لإقامتهم (٢). فمرا على أرض الكوفة وهي حصباء في رملة حمراء، فأعجبتهما ووجد هنالك ديرات ثلاث دير حرقة (٣) بنت النعمان، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وبين ذلك خصاص خلال هذه الكوفة، فنزلا فصليا هنالك وقال كل واحد منهما: اللهم رب السماء وما أظلت، ورب الأرض وما أقلت، ورب الريح وما ذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما جرت، والشياطين وما أضلت، والخصاص وما أجنت، بارك لنا في هذه الكوفة واجعلها منزل ثبات. ثم كتبا إلى سعد بالخبر، فأمر سعد باختطاط الكوفة، وسار إليها في أول هذه السنة في محرمها، فكان أول بناء وضع فيها المسجد. وأمر سعد رجلا راميا شديد الرمي، فرمى من المسجد إلى الأربع جهات فحيث سقط سهمه بنى الناس منازلهم، وعمر قصرا تلقاء محراب المسجد للامارة وبيت المال، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللبن عن أمر عمر، بشرط أن لا يسرفوا ولا يجاوزوا الحد. وبعث سعد إلى الامراء والقبائل فقدموا عليه، فأنزلهم الكوفة، وأمر سعد أبا هياج (٤) الموكل بإنزال الناس فيها بأن


(١) زاد في فتوح البلدان: فارتد لهم موضعا عدنا، ولا تجعل بيني وبينهم بحرا.
(٢) في فتوح البلدان: ان الذي دل سعدا على أرض الكوفة عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة ٢/ ٣٣٩.
(٣) كذا بالأصل والطبري، وفي الكامل: حرمة.
(٤) أبو الهياج الأسدي واسمه عمرو بن مالك بن جنادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>