للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الله أشكو بخلها وسماحتي … لها عسل مني وتبذل علقما

فردي مصاب القلب أنت قتلته … ولا تتركيه هائم القلب مغرما (١)

قال: فسمعت ما لا صبر لي عنه ورجوت أن تعيده فقامت وانصرفت، فنزلت وانطلقت وراءها وسألتها أن تعيده فقالت: إن علي خراجا كل يوم درهمين، فأعطيتها درهمين فأعادته فحفظته وسلكته يومي ذلك، فلما أصبحت أنسيته فأقبلت السوداء فسألتها أن تعيده فلم تفعل إلا بدرهمين، ثم قالت: كأنك تستكثر أربعة دراهم، كأني بك وقد أخذت عليه أربعة آلاف دينار. قال فغنيته ليلة للرشيد فأعطاني ألف دينار، ثم استعادنيه ثلاث مرات أخرى وأعطاني ثلاثة آلاف دينار، فتبسمت فقال: مم تبسمت؟ فذكرت له القصة فضحك وألقى إلي كيسا آخر فيه ألف دينار. وقال: لا أكذب السوداء. وحكى عنه أيضا قال: أصبحت يوما بالمدينة وليس معي إلا ثلاثة دراهم، فإذا جارية على رقبتها جرة تريد الركي (٢) وهي تسعى وتترنم بصوت شجي:

شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا … فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا

وذاك لان النوم يغشى عيونهم … سريعا ولا يغشى (٣) لنا النوم أعينا

إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى … جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا

فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما … نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا

قال: فاستعدته منها وأعطيتها الدراهم الثلاثة فقالت: لتأخذن بدلها ألف دينار، وألف دينار وألف دينار. فأعطاني الرشيد ثلاثة آلاف دينار في ليلة على ذلك الصوت. وفيها توفي:

بكر بن النطاح

أبو وائل الحنفي البصري الشاعر المشهور، نزل بغداد زمن الرشيد، وكان يخالط أبا العتاهية. قال أبو عفان: أشعر أهل العدل من المحدثين أربعة، أولهم بكر بن النطاح. وقال المبرد: سمعت الحسن بن رجاء يقول اجتمع جماعة من الشعراء ومعهم بكر بن النطاح يتناشدون، فلما فرغوا من طوالهم أنشد بكر بن النطاح لنفسه:

ما ضرها لو كتبت بالرضى … فجف جفن العين أو أغمضا

شفاعة مردودة عندها … في عاشق يود لو قد قضى

يا نفس صبرا واعلمي أنما … يأمل منها مثلما قد مضى


(١) ويروى: ولا تبعدي فيما تجشمت كلثما.
(٢) الركي: جنس للركية وهي البئر.
(٣) في الأغاني ٦/ ٣١١: سراعا وما يغشى.

<<  <  ج: ص:  >  >>