للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الفخر الرازي: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ (١) أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي أَحْكَامِ الْكُفَّارِ إِذَا أَسْلَمُوا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا مَضَى فِي وَقْتِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يَبْقَى ولا يَنْقُصُ، وَلَا يُفْسَخُ، وَمَا لَا يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَحُكْمُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِذَا تَنَاكَحُوا عَلَى مَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَفْوٌ لَا يُتَعَقَّبُ (٢).

قال الجصاص (٣): وَفِيهَا الدَّلَالَةُ (٤) عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الْوَاقِعَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ؛ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا بِالْفَسْخِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُودَةً عَلَى فَسَادٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنَ نُزُولِ الْآيَةِ وَبَيْنَ خُطْبَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ وَوَضْعِهِ الرِّبَا الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا - عُقُودٌ مِنْ عُقُودِ الرِّبَا بِمَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهَا بِالْفَسْخِ وَلَمْ يُمَيِّزْ مَا كَانَ مِنْهَا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ مِمَّا كَانَ مِنْهَا بَعْدَ نُزُولِهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الْوَاقِعَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ لَا يُفْسَخُ مِنْهَا مَا كَانَ مَقْبُوضًا، وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ} يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ مَا كَانَ مَقْبُوضًا مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (٥).


(١) يقصد قول الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: ٢٧٥].
(٢) «تفسير الرازي» (٧/ ٨٦).
(٣) الجصاص هو الإمام أحمد بن علي أبو بكر الجصاص، نسبة إلى العمل بالجص، حنفي المذهب، توفي سنة (٣٧٠ هـ).
(٤) آية {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: ٢٧٥].
(٥) «أحكام القرآن» (٢/ ١٩١).

<<  <   >  >>