فَإِنْ قِيلَ: وَقَدْ رَوَيْتُمُوهُ بِأَنَّ فِيهِ زَيْنَبَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ رِجَالُهُ، ثُمَّ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ دُونَ عِلَّةٍ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ فِيهِ وُجُوهًا تَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ: أَحَدُهَا - أَنَّ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ حَدِّ الزِّنَى ثُمَّ نَزَلَ حَدُّ الزِّنَى فَكَانَ الْحُكْمُ لِإِيجَابِ الْحَدِّ.
فَإِنْ قِيلَ: وَمُمْكِنٌ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نُزُولِ حَدِّ الزِّنَى ثُمَّ نَزَلَ حَدُّ الزِّنَى فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ وَيَكُونُ نَاسِخًا لِمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ وَالْجُهَيْنِيَّةِ؟ قُلْنَا: إنَّ الْوَاجِبَ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالزَّائِدِ وَالزَّائِدُ: هُوَ الَّذِي جَاءَ بِحُكْمٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فِي مَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَكَانَ مَعْهُودُ الْأَصْلِ بِلَا شَكٍّ: أَنْ لَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ - تَائِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ تَائِبٍ - فَجَاءَ النَّصُّ: بِإِيجَابِ الْحُدُودِ جُمْلَةً، وَكَانَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ زَائِدَةً عَلَى مَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَجَاءَ حَدِيثُ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ، فَكَانَ مَا فِيهَا مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى التَّائِبِ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ التَّائِبِ - هَذَا لَوْ كَانَ فِي حَدِيثِهِمْ أَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ؟ وَإِنَّمَا فِيهِ إسْقَاطُ الْحَدِّ بِصَلَاتِهِ فَقَطْ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ [بَلْ هُمْ يُخَالِفُونَ لِهَذَا الْحُكْمِ] فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَبِتِلْكَ الْأَخْبَارِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا: هَبْكُمْ أَنَّ حَدَّ الزِّنَى قَدْ وَجَدْتُمْ فِيهِ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ: إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ تَابَ، فَمِنْ أَيْنَ لَمْ تُسْقِطُوا حَدَّ السَّرِقَةِ، وَحَدَّ الْخَمْرِ بِالتَّوْبَةِ؟ وَلَا نَصَّ مَعَكُمْ فِي إقَامَتِهَا عَلَى التَّائِبِ مِنْهَا؟ قُلْنَا: إنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ جُمْلَةً بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْخَمْرِ، وَالزِّنَى، وَالْقَذْفِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَعَالَى تَائِبًا مِنْ غَيْرِ تَائِبٍ، وَلَمْ يَصِحَّ نَصٌّ أَصْلًا بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ التَّائِبِ، فَإِذَا الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ التَّائِبُ مِنْ عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ بِالرَّأْيِ، وَالْقِيَاسِ دُونَ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، فَهَذِهِ عُمْدَتُنَا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى التَّائِبِ وَغَيْرِ التَّائِبِ.
وَإِنَّمَا حَدِيثُ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ: مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ فَقَطْ، وَلَوْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute