مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ قَالَ أُسَامَةُ: فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ - فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا - ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا» وَذَكَرَتْ عَائِشَةُ الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا قُطِعَتْ يَدُهَا فِي الْحَرَمِ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ؛ وَنَصِّ بَيَانِ السُّنَنِ بِظَنٍّ لَا حَقِيقَةَ فِيهِ - وَلَعَلَّ أَمْرَهَا كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦] ، وَأَيْضًا - فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ ظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ.
وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ: إنَّمَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] إنَّمَا عَنَى الصَّيْدَ - وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَجُرْأَةٌ عَلَى الْبَاطِلِ فَضِيحَةٌ فِي اللَّحْنِ، لِأَنَّهُ لَا يُخْبِرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَفَظَّةُ " مَنْ " إلَّا عَمَّنْ يَعْقِلُ، لَا عَنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا هَذَا فِي " الْمَقَامِ " وَحْدَهُ بِنَصِّ الْآيَةِ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ بِالْمُحَالِ، وَلَا بِمَا لَا يُمْكِنُ، وَبِالْيَقِينِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ " مَقَامَ إبْرَاهِيمَ " حَجَرٌ وَاحِدٌ لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا " مَقَامُ إبْرَاهِيمَ " الْحَرَمُ كُلُّهُ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، إنَّهُ قَالَ " مَقَامُ إبْرَاهِيمَ " الْحَرَمُ كُلُّهُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] . قُلْنَا: نَعَمْ، هَكَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ، وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ أَحَدٍ لَا مُشْرِكٍ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute