{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] فَمَوَّهَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْبَهْتُ الْفَاضِحُ وَالْكَذِبُ الْمُجَرَّدُ، وَنَعَمْ: إنْ قَوْله تَعَالَى {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} [المائدة: ٢] قَدْ قِيلَ: إنَّهُ نُسِخَ مِنْهُ " الْقَلَائِدُ " فَقَطْ: كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْبُرِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ - وَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ - فَقَالَ: مَنْسُوخٌ، كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا خَرَجَ إلَى الْحَجِّ يُقَلِّدُ مِنْ الشَّعْرِ، فَلَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ، وَإِذَا تَقَلَّدَ قِلَادَةَ شَعْرٍ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، وَكَانَ الْمُشْرِكُ يَوْمَئِذٍ لَا يُصْدَرُ عَنْ الْبَيْتِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَا عِنْدَ الْبَيْتِ، ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] وَهَذَا نَصُّ قَوْلِ قَتَادَةَ.
فَهَبْكَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ نَسْخُ " الْقَلَائِدِ " فَأَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ " الْقَلَائِدِ " فَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْحَرَمِ، وَلَا يُقْتَلُ أَحَدٌ فِي الْحَرَمِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ أَنْ يَعْمَى هَذَا الْعَمَى؟ وَأَنْ يَتَّبِعَ هَوَاهُ فِي الْبَاطِلِ هَذَا الِاتِّبَاعِ، وَ " الْقَلَائِدُ " هَاهُنَا إنَّمَا هِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا " قَلَائِدُ الْهَدْيِ " الَّتِي لَا يَحِلُّ إحْلَالُهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا خَمْسَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ.
وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ: احْتِجَاجُهُمْ بِابْنِ خَطَلٍ - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ - فَهَذِهِ قِصَّةٌ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهَا لَهُ خَاصَّةً، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute