ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ: أَنَّ مَالِكًا قَلَّدَ هَاهُنَا عُمَرَ، ثُمَّ فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَقْفٌ، فَلَمْ يُخْبِرْ كَيْفَ يَعْمَلُ فِي خَرَاجِهَا، وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدْرِي فِعْلَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ فِي الْأَرْضِ أَعْجَبُ مِنْ جَهَالَةٍ تُجْعَلُ حُجَّةً؟
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَخَذَ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ قَوِيَّةٍ جَاءَتْ عَنْ عُمَرَ، وَتَرَكَ سَائِرَ مَا رُوِيَ عَنْهُ، وَتَحَكَّمُوا فِي الْخَطَأِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيصَالِ - وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ [وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ] فَكَيْفَ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ الصَّحِيحَةُ هِيَ قَوْلُنَا؟ كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا أَبُو عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعَ النَّاسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَجَعَلَ لَهُمْ عُمَرُ رُبْعَ السَّوَادِ فَأَخَذُوا سَنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَوَفَدَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا جَرِيرُ لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ، وَأَرَى النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَأَرَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ. فَفَعَلَ جَرِيرٌ ذَلِكَ، فَقَالَتْ أُمُّ كُرْزٍ الْبَجَلِيَّةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ أَبِي هَلَكَ وَسَهْمُهُ ثَابِتٌ فِي السَّوَادِ وَإِنِّي لَمْ أُسْلِمْ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: يَا أُمَّ كُرْزٍ إنَّ قَوْمَك قَدْ صَنَعُوا مَا قَدْ عَلِمْت، فَقَالَتْ: إنْ كَانُوا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَإِنِّي لَسْت أُسْلِمُ حَتَّى تَحْمِلَنِي عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ وَتَمْلَأُ كَفَّيَّ ذَهَبًا. فَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ، فَكَانَتْ الذَّهَبُ نَحْوَ ثَمَانِينَ دِينَارًا، فَهَذَا أَصَحُّ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُنَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُوقِفْ حَتَّى اسْتَطَابَ نُفُوسَ الْغَانِمِينَ وَوَرَثَةَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ؛ وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرُهُ، وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ تَخْمِيسِهِ السَّلَبَ وَإِمْضَائِهِ سَائِرَهُ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَأَخَذْنَا مِنْهُ خَرَاجَهَا.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ أُلَّيْسٍ أَسْلَمَا فَكَتَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute