أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا افْتَتَحْت قَرْيَةَ إلَّا قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: إقْرَارُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ خَيْبَرَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ نَظَرًا لِآخِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ [فَهُوَ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَنْظَرَ لِأَوَّلِ الْمُسْلِمِينَ وَلِآخِرِهِمْ مِنْ عُمَرَ، فَمَا رَأَى هَذَا الرَّأْيَ؛ بَلْ أَبْقَى لِآخِرِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَبْقَى لِأَوَّلِهِمْ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِمَّا الْغَنِيمَةُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ، وَأَبْقَى لَهُمْ مَوَارِيثَ مَوْتَاهُمْ، وَالتِّجَارَةَ، وَالْمَاشِيَةَ، وَالْحَرْثَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرَ الزُّبَيْرُ، وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ بَعْضٍ؛ فَحَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا ظَنُّوهُ بِهِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، وَلَكَانَ رَأْيًا مِنْهُ غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَعُمَرُ قَوْلُهُ كَقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ عُمَرَ يُكَذِّبُ كُلَّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةٍ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَسِّمْ خَيْبَرَ كُلَّهَا، فَهُمْ دَأَبًا يَسْعَوْنَ فِي تَكْذِيبِ قَوْلِ عُمَرَ نَصْرًا لِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ وَظَنِّهِمْ الْكَاذِبِ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَا تُفْتَحُ قَرْيَةٌ إلَّا قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ -، فَهَذَا رُجُوعٌ مِنْ عُمَرَ إلَى الْقِسْمَةِ.
وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ» .
قَالُوا: فَهَذَا هُوَ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ يُوجِبُ إيقَافَهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْخَبَرِ بِالْبَاطِلِ وَادِّعَاءٌ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ بِلَا نَصٍّ وَلَا دَلِيلٍ، وَلَا يَخْلُو هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ فَقَطْ، أَوْ قَدْ يَجْمَعُهُمَا جَمِيعًا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجِزْيَةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ إذَا فُتِحَتْ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute