وَأَيْضًا: فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ الْخَفِيفِ - الَّذِي أَجَازُوهُ مِنْ الْكَثِيرِ - الَّذِي لَا يُجِيزُونَهُ - فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ فَاسِدٌ مِنْ آرَائِهِمْ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ الْأَعْوَرُ، وَالْمَقْطُوعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ كِلَيْهِمَا مِنْ خِلَافٍ، وَالْمَقْطُوعُ إصْبَعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ.
وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى، وَلَا الْمُقْعَدُ، وَلَا الْمَقْطُوعُ يَدًا وَرِجْلًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَلَا مَقْطُوعُ الْإِبْهَامَيْنِ فَقَطْ مِنْ كِلْتَا يَدَيْهِ وَلَا مَقْطُوعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ تَخَالِيطُ قَوِيَّةٌ بِمَرَّةٍ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَا يُجْزِئُ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ فِيهِمَا وَحُكْمُهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِمَا إذَا عَتَقَا، فَمُعْتِقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى مُعْتِقَ رَقَبَةٍ، وَعِتْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِتْقَ رَقَبَةٍ بِلَا خِلَافٍ؛ فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُجْزِئَانِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُجْزِئُ أُمُّ الْوَلَدِ، لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَهَلْ اشْتَرَطَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ أَمَرَ فِي الْكَفَّارَةِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ - أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ بَيْعُهَا؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، فَإِذْ لَمْ يَشْتَرِطْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذِهِ الصِّفَةَ فَاشْتِرَاطُهَا بَاطِلٌ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .
وَأَجَازَ فِي ذَلِكَ عِتْقَ الْمُدَبَّرِ؟ وَمِمَّنْ أَجَازَ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي ذَلِكَ: عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ؟ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَبْدٌ، وَمِمَّنْ أَجَازَهُ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ مَنْ أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ -: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ.
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ شُرُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، فَمَنْ أَعْتَقَ بَاقِيَهُمَا فَإِنَّمَا أَعْتَقَ بَعْضَ رَقَبَةٍ؛ لَا رَقَبَةً؛ فَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُمِرَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute