عَنْ الزُّهْرِيِّ مُجْمَلًا مُخْتَصَرًا، وَرَوَاهُ الْآخَرُونَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَأَتَوْا بِلَفْظِ الْخَبَرِ كَمَا وَقَعَ، كَمَا سُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَمَا أَفْتَى، وَبَيَّنُوا فِيهِ أَنَّ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ إنَّمَا كَانَتْ وَطْئًا لِامْرَأَتِهِ، وَرَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ كَمَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى: صِفَةَ التَّرْتِيبِ، وَأَجْمَلُوا الْأَمْرَ، وَأَتَوْا بِغَيْرِ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِمَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ لَفْظٌ مِنْ دُونِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِمَّنْ اخْتَصَرَ الْخَبَرَ وَأَجْمَلَهُ، وَكَانَ الْفَرْضُ أَخْذُ فُتْيَا النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا أَفْتَى بِهَا، بِنَصِّ كَلَامِهِ فِيمَا أَفْتَى بِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّا نَقِيسُ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ فِطْرٌ مُحَرَّمٌ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَاهُنَا هَذَا الْقِيَاسُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرُ الْمُتَقَيِّئِ عَمْدًا، وَفِيهِ الْقَضَاءُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً.
فَمَا الَّذِي جَعَلَ قِيَاسَ سَائِرِ الْمُفْطِرِينَ عَلَى حُكْمِ الْوَاطِئِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حُكْمِ الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ؟ وَالْآكِلُ، وَالشَّارِبُ أَشَبَهُ بِالْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ مِنْهُمَا بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ حُلُوقِهِمْ لَا مِنْ فُرُوجِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَاطِئِ؛ وَلِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، بِخِلَافِ فِطْرِ الْوَاطِئِ؛ فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ، لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِقَطْعِ صَلَاتِهِ؛ وَالصَّلَاةُ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَآكَدُ مِنْ الصِّيَامِ، فَصَارَتْ الْكَفَّارَةُ خَارِجَةً عَنْ الْأَصْلِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى خَبَرِهَا؟ فَإِنْ قَالَ: إنِّي أُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ؛ لِأَنِّي أُدْخِلُهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَفْطَرَ فَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ، وَأَجْعَلُ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى عَنْ الزُّهْرِيِّ -: زَائِدًا عَلَى مَا فِي خَبَرِ الْمُتَعَمِّدِ الْقَيْءَ؟ قُلْنَا: هَذَا لَازِمٌ لِكُلِّ مَنْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ خَبَرِ مَالِكٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَازِمٌ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، إلَّا أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا لَمْ يُكَلِّمْ إلَّا فِي تَغْلِيبِ رِوَايَةِ سَائِرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي قَدَّمْنَا عَلَى مَا اخْتَصَرَهُ هَؤُلَاءِ فَقَطْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute