للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنهم يعبدون ربًّا واحدًا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فأنزل الله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ}» (١).

وكذلك فإن من أعظم الدلائل على التوحيد الدعاء، ففيه أعظم مظاهر الذل والافتقار إلى الله تعالى، وبه تتحقق عبودية العبد لربه ويتحقق له نفي الشرك والاستكبار، يقول ربنا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر].

أي: «اعْبُدُونِي وَأَخْلِصُوا لِي الْعِبَادَةَ دُونَ مَنْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِي مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أُجِبْ دُعَاءَكُمْ فَأَعْفُو عَنْكُمْ وَأَرْحَمُكُمْ» (٢).

ومن هنا يتبين أن دعاءَ العبدِ ربه وسؤاله والتوجه إليه سبحانه وترك سؤال غيره من المخلوقين؛ يدل على توحيد العبد ربه وإفراده بالألوهية وقد دل على ذلك أيضًا حديث النُّعمان بن بَشِير -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر]» (٣).

ومما سبق يتبين دلالة الدعاء على التوحيد ومنه طلب الهداية إلى الصراط المستقيم:

١ - وإن طلب الهداية للصراط من أعظم دلائل التوحيد التي يجب أن يُفرِدَ العبدُ بها ربَهُ ويُلح عليه في سؤاله ودعائه، فهو يجلي ضعف العبد وصدق لجوئه إلى خالقه وتعلّقه بربه واضطراره إلى هداه، إذ ليس له من يجيبه ويهديه سواه، وهذا من أعظم الدلائل على تعلق طلب الهداية بالتوحيد.


(١) تفسير القرطبي (٧/ ٢٩١).
(٢) تفسير الطبري (٢١/ ٤٠٧).
(٣) أبو داود (١٤٧٩)، والترمذي (٢٩٦٩)، والنسائي في الكبرى (١١٤٠٠)، وابن حبان (٨٩٠). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (١٣٢٩).

<<  <   >  >>