أي:«من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه»(١). ومنزلة ومقام الدعاء من أعلى مقامات ومنازل العبودية، ومن أجلِّ وأزكى العبادات؛ لما فيه من إظهار أعظم معاني العبودية والذلة لله تعالى والرغبة في كرمه وواسع جوده وفضله، والطمع في رحمته والابتهال إليه بالعبودية والاستعانة والتضرع إليه بالسؤال، وهو مع ذلك كله عبادة من أجل وأعظم العبادات وطاعة من أفضل الطاعات وقربى من أزكى القربات.
ومن مقاصده الجليلة أيضًا: وجوب تقديم الحمد لله تعالى بكل أنواع المحامد، والثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وتمجيده بكل مجد وتعظيم ووصف حسن وثناء جميل بين يدي الدعاء، وهذا أيضًا مقصد من مقاصد العبودية ومن مقاصد توحيد الله بأسمائه وصفاته ودلالته عليه، يقول ربنا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا … يَعْمَلُونَ (١٨٠)} [الأعراف].
والأسماء الحسنى: هي الأسماء التي بلغت في غاية في الحسن، ومعنى {فَادْعُوهُ بِهَا}: أي: فاسألوه بها وتوسلوا بها إليه، وسواء كان ذلك دعاء عبادة أو دعاء مسألة، ووجه ذلك أن يتوسل العبد إلى الله بأسمائه وصفاته بما يقتضي المقام، فيقول مثلًا: يا رحمن ارحمني، ويا رزاق ارزقني، ويا كريم أكرمني، ويا تواب تب علي، ونحو ذلك.
وفي الآية: «أمر بإخلاص العبادة لله، ومجانبة المشركين والملحدين.
قال مقاتل وغيره من المفسرين: نزلت الآية في رجل من المسلمين، كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم، فقال رجل من مشركي مكة أليس يزعم محمدٌ وأصحابهُ