للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ونبه ابن عثيمين إلى كروية الأرض عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)} [الانشقاق: ٣]، فقال: (هذه الأرض التي نحن عليها الآن هي غير ممدودة، أولا: أنها كرة مدورة، وإن كانت جوانبها الشمالية والجنوبية منفتحة قليلاً ـ أي ممتدة قليلاً ـ فهي مدورة الآن. ثانيا: ثم هي أيضاً معرجة فيها المرتفع جداً، وفيها المنخفض، فيها الأودية، فيها السهول، فيها الرمال، فهي غير مستوية، لكن يوم القيامة {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)} أي: تمد مدًّا واحداً كمد الأديم يعني: كمد الجلد، كأنما تفرش جلداً أو سماطاً، تُمد حتى إن الذين عليها ـ وهم الخلائق ـ يُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، لكن الآن لا ينفذهم البصر، لو امتد الناس على الأرض لوجدت البعيدين منخفضين لا تراهم لكن يوم القيامة إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم) (١).

لكن يشكل على استنباط الشوكاني هذا قوله في سورة الرعد-عند قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)} [الرعد: ٣]-: ({وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها) (٢).

فإنه يثبت في سورة الرعد كروية الأرض، بينما ينفيها في سورة الحجر.

ويمكن توجيه هذا التعارض بأحد وجهين:

فإما أنه ممن يرى كروية الأرض.

ويدل عليه أنه مع تأثره الشديد بالقرطبي إلا أنه لم يوافقه على رأيه في نفي كروية الأرض من آية سورة الرعد فقد قال القرطبي -عندها-: (في هذه الآية رد على من زعم أن الأرض كالكرة) (٣).


(١) تفسير جزء عم ص ١١٠.
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ٦٤. وقد نقل الشوكاني قبله قولا للأصم، فقال: (وقال الأصم: إن المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه. وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها). فإن قيل: قد يكون الكلام كله للأصم فنقله الشوكاني؛ قلت: قول الشوكاني: (وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها) ليس من تمام كلام الأصم، إذ ليس موجودا في تفسيره للآية في ص ٢٤، وص ٨٢، وكذلك لم ينقله الرازي عن الأصم-مع أنه ينقل عنه كثيرا-، فلم يبق إلا أن يكون من كلام الشوكاني.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ج ٩/ ص ٢٣٩.

<<  <   >  >>