للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن العربي: (ويروى عن ابن عباس -رضي الله عنهم- (١)، وسائر العلماء أن الآية باقية إلى يوم القيامة، وإنما شذ من شذ بخصوص ذلك يوم بدر بقوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} فظن قوم أن ذلك إشارة إلى يوم بدر، وليس به، وإنما ذلك إشارة إلى يوم الزحف، والدليل عليه أن الآية نزلت بعد القتال وانقضاء الحرب وذهاب اليوم بما فيه.

وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حسبما قدمناه في الحديث الصحيح أن الكبائر كذا، وعد الفرار يوم الزحف (٢)، وهذا نص في المسألة يرفع الخلاف ويبين الحكم، وقد نبهنا على النكتة التي وقع الإشكال فيها لمن وقع باختصاصه بيوم بدر) (٣).

وأما يوم أحد فإنما فر الناس من ضعفهم ومع ذلك عنفوا، وأما يوم حنين فكذلك من فر إنما انكشف عن الكثرة (٤).

وقال ابن كثير -بعد أن ساق أقوال السلف الدالة على أن الآية في بدر-: (وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر وإن كان سبب نزول الآية فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير، والله أعلم) (٥).

الثانية: أنه لم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لانحازوا للمشركين ولم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم، ولا للمسلمين فئة إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض (٦).


(١) عن ابن عباس -رضي الله عنهم- قال: "أكبر الكبائر الشرك بالله، والفرار من الزحف؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} ". أخرجه الطبري في جامع البيان ج ١١/ ص ٨١. وانظر: الدر المنثور ج ٤/ ص ٣٨.
(٢) يعني حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". أخرجه البخاري في كتاب: الوصايا، باب: قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}، رقم: ٢٦١٥، ج ٣/ ص ١٠١٧. وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها، رقم: ٨٩، ج ١/ ص ٩٢.
(٣) أحكام القرآن ج ٢/ ص ٢٩٧.
(٤) انظر: أحكام القرآن لابن العربي ج ٢/ ص ٢٩٧، والجامع لأحكام القرآن ج ٧، ص ٣٣٥.
(٥) تفسير القرآن العظيم ج ٤/ ص ١٧٤.
(٦) انظر: أحكام القرآن للكيا ج ٣/ ص ١٥٣، وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢/ ص ٢٩٧، والجامع لأحكام القرآن ج ٧، ص ٣٣٤، و ٣٣٥.

<<  <   >  >>