للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الجُمَعُ أَفْضَلُ، لِئَلا يَحْتَاجَ إَلَى الخُروجِ إِلَيْهَا، وَلأنَّ ثَوَابَ الجَمَاعَةِ فِي الجَامِعِ أَكْثَرُ وِلأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - اعْتَكَفَ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ.

وَيَجِبُ الاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ، قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ الاعْتِكَافُ لا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فَرْضًا إِلا أَنْ يُوجِبَ المَرْءُ عَلىَ نَفْسِهِ الاعْتِكَافُ نُذْراً لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعِهُ» .

وَالأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمِ، وَلأَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ في شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِن اعْتَكَفَ بِغَيْرِ صَوْمٍ جَازَ، لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَال: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» .

وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ، وَكَالصَّلاةِ وَسَائِرِ العِبَادَاتِ.

وَلا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الأَبْنَِيَةِ لأنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، وَلِحَدِيثِ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ» .

وَمَنْ نَذَرَ الاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلاثَة، وَهِيَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ، وَمَسْجِدُ المَدِينَةِ، وَالمَسْجِدُ الأَقْصَى، جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِهِ لأنَّهُ لا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.

وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» .

وَلأنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ المَسَاجِدُ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَ فَرْضَهُ بِمَا دُونَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>