فَقَالَ: وَمَا مَعَكَ مِنْ الدُّنْيَا؟ (وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ مَعَهُ مَالاً يَحْمِلُه لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) فَقَالَ: مَعِي جِرَابِي وَقَدْ وَضَعْتُ فِيهِ زَادِي وَمَعِي قَصْعَتِي آكُلُ فِيهَا وَأَغْسِلُ عَلَيْهَا ثِيَابِي وَمَعِي قِرْبَةٌ لِوُضُوئِي وَشَرَابِي.
ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعٌ لِهَذَا الْمَتَاع لا حَاجَةَ لِي فِيهَا غَيْرَ هَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: وَهَلْ أَتَيْتَ مَاشِيًا؟ قَالَ: نَعَمُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: أَمَا أُعْطَيْتَ مِنْ الإِمَارَةِ دَابَّةً تَرْكَبَهَا؟ فَقَالَ: هُمْ لَمْ يَعْطُونِي وَأَنَا لَمْ أَطْلُبْ مِنْهُمْ.
فَقَالَ: وَأَيْنَ مَا أَتَيْتَ بِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ؟ فَقَالَ: لَمْ آتِ بِشَيْءٍ. فَقَالَ عُمَرُ: وَلِمَ لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ.
فَقَالَ: لِمَّا وَصَلْتُ إِلى حَمْص جَمَعْتُ صُلَحَاءَ أَهْلِهَا وَوَلَّيْتُهُم جَمِيعَ فَيئِهم وَكَانُوا كُلَّمَا جَمَعُوا شَيْئًا اسْتَشَرْتُهُمْ فِي أَمْرِهِ وَوَضَعْتُهُ فِي مَوَاضِعِهِ وَأَنْفَقْتُه عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْهُمْ.
فَقَالَ عُمَرُ لِكَاتِبِهِ: جَدِّدْ عَهْدًا لِعُمَيْرٍ عَلَى وَلايَةِ حِمْص. فَقَالَ عُمَيْرَ: هَيْهَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لا أُرِيدُهْ وَلَنْ أَعْمَلَ لَكَ وَلا لأَحَدٍ بَعْدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ بِالذِّهَابِ إِلى قَرْيَةٍ فِي ضَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُقِيمُ بِهَا أَهْلُهُ فَأَذِنَ لَهُ، لَمْ يَمْضِ عَلَى عُمَيْرٍ إِلا مُدَّةً يَسِيرَةً بَعْدَ ذِهَابِهِ لِلْقَرْيَةِ حَتَّى أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَخْتَبِرَهُ فَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْ ثِقَاتِهِ يُقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: انْطَلِقْ إِلى عُمَيْرٍ بن سَعْدٍ وَأَنْزِلْ عِنْدَهُ كَأَنَّكَ ضَيْفٌ فَإِنْ رَأَيْتَ عَلَيِهِ آثَارَ نِعْمَةٍ فَعُدَ كَمَا أَتَيْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَ حَالاً شَدِيدَةً فَأَعْطِهِ هَذِه ِالدَّنَانِيرِ وَنَاوَلَهُ صُرَّةً فِيهَا مَائِةُ دِينَارٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute