وَلَمَّا بَلَغَ عُمَيْرٌ حِمْصًا جَمَعَ النَّاسَ وَخَطَبَهُمْ وَبَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الإِسْلامَ حِصْنٌ مَنِيعٌ وَبَابٌ وَثِيقٌ وَحِصْنُ الإِسْلامِ الْعَدْلُ، وَبَابُه الْحَقُّ فَإِذَا دُكَّ الْحِصْنُ وَحُطِّمَ الْبَابُ اسْتُبِيحَ حِمَى الدِّينِ.
وَإِنَّ الإِسْلامَ مَا يَزَالُ مَنِيعًا مَا اشْتَدَّ السُّلْطَانُ وَلَيْسَتْ شِدَّةُ السُّلْطَانِ ضَرْبًا بِالسَّوْطِ وَلا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، وَلَكِنْ قَضَاءٌ بِالْعَدْلِ وَأَخْذًا بِالْحَقِّ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلى عَمَلِهِ لِيُنَفذَ مَا اخْتَطَّهُ لَهُمْ.
قَضَى عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ حَوْلاً كَامِلاً فِي حِمْصَ لَمْ يَكْتُبْ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ كِتَابًا وَلَمْ يَبْعَثْ إِلى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْفِيءِ وَلا دِرْهَمًا وَلا دِينَارًا.
فَقَالَ عُمَرُ لِكَاتِبِهِ: اكْتُبْ لِعُمَيْرٍ وَقُلْ: إِذَا جَاءَكَ كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَقْبِلْ وَاتْرُكْ حِمْصَ وَأَقْبِلْ عَلَيْهِ وَاحْمِلْ مَعَكَ مَا جَبَيْتَ مِنْ فِيءِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُ عُمَر إِلى عُمَيْر أَخَذَ جِرَابَ زَادِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَحَمَلَ قَصْعَتَهُ وَوِعَاءَ وُضُوئِهِ وَانْطَلَقَ يَمْشِي إِلى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ الْمَدِينَةِ وَإِذَا لَوْنُهُ مُتَغَيرٌ وبَدَنُهُ مُتَضَعْضِعٌ قَدْ هَزُلَ جِسْمُه وَطَالَ شَعْرُهُ وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ وَعْثَاءُ السَّفَرِ وَكَآبَةُ الْمَنْظَر.
وَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَهَشَ وَتَأَلَّمَ مِنْ حَالَتِهِ وَقَالَ: مَا بِكَ يَا عُمَيْرُ؟ فَقَالَ: مَا بِي شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا صَحِيحٌ بِحَمْدِ اللهِ أَحْمِلُ مَعِي الدُّنْيَا كُلَّهَا وَأَجُرُّهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute