فالموفقون أهل الفهم والمعرفة جعلوا الأوقات كلها وقتًا واحدًا والعمر كله نهجًا إلى الله تعالى قاصدًا.
وعلموا أن الوقت كله لله فلم يجعلوا منه شيئًا لغيره.
جعلوا أوقاتهم في طاعة الله فعلاً ونية. وقال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
علموا أن الأنفاس أمانات عندهم وودائع لديهم.
وعلموا أنهم مطالبون برعايتها فوجهوا همهم لحفظها وأدائها.
قال بعضهم إحالتك الأعمال إلى وجود الفراغ حمق وجهل ووجه ذلك: أولاً أنه إيثار للدنيا على الآخرة، وليس هذا من شأن عقلاء المؤمنين وهو خلاف ما طلب منك قال الله جلا ولعلا وتقدس {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
والثاني أن تسويف العمل إلى آوان الفراغ غلط لأنه قد لا يجد مهلة بأن يختطفه الموت قبل ذلك.
أو يزداد شغله لأن أشغال الدنيا يتداعى بعضها إلى بعضه كما قيل:
فَمَا قَضَى أَحَدٌ مِنْهَا لُبَانَتَهُ ... وَلا انْتَهَى أربٌ إِلا إِلَى أَرَب
والثالث أنه ربما يفرغ منها إلى الذي لا يرضيه من تبدل عزمه وضعف نيته.
المهم أن الواجب عليه المبادرة إلى الأعمال الصالحة على أي حالٍ كان.
شِعْرًا:
مَنْ كَانَ يُوحِشَهُ تَبْدِيلُ مَنْزِلِهِ ... وَأَنْ تَبَدَّلَ مِنْهَا مَنْزِلاً حَسَنَا
مَاذَا يَقُولُ إِذَا ضَمَّتْ جَوَانِبِهَا ... عَلَيْهِ وَاجْتَمَعَتْ مِنْ هَا هُنَا وَهُنَا
مَاذَا يَقُولُ إِذَا أَمْسَى بِحُفْرَته ... فَرْدًا وَقَدْ فَارَقَ الأَهْلِينَ وَالسَّكَنَا
هُنَاكَ يَعْلَمُ قَدْرَ الْوَحْشَتَيْنِ وَمَا ... يَلْقَاهُ مَنْ بَاتَ بِاللَّذَاتِ مُرْتَهَنَا