المعاصي أبدًا. هم عصوا النبي عليه السلام شرعًا وفرَّطوا فيما يلزمهم قدرًا، كيف ذلك؟ عصوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه قال لهم: لا تبرحوا مكانكم، وتركوا ما يلزمهم قدرًا وهو حماية المسلمين من خلفهم؛ لأن هذا من الأسباب النافعة، وترك الأسباب النافعة سفه في العقل ونقص في الدين؛ لأن الله تعالى أمر بأن نأخذ بالأسباب وأعظمها التوكل على الله، ولكن لابد من أن نفعل الأسباب الحسية المادية، فهم رضي الله عنهم وعفا الله عنهم حصل منهم ما حصل فصارت النكبة العظيمة، الشهداء رضي الله عنهم حملهم أهلهم إلى المدينة ليدفنوهم في البقيع، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يردوا إلى مصارعهم، ويدفنوا هناك في أُحد ففعلوا، والحكمة من ذلك -والله أعلم- أن المقتول في سبيل الله يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ولا يغسل لئلا يزول هذا الدم من على جسده، ولا يكفن وإنما يدفن في ثيابه التي قُتل فيها، كل هذا من أجل أن يتحقق خروجه يوم القيامة من المكان الذي صُرع فيه وعلى الهيئة التي صُرع عليها.
المهم أن الله تعالى يذكّر نبيّه عليه الصلاة والسلام بهذه الغزوة العظيمة التي فيها من الأسرار والحكم ما يتبين به أن ذلك هو عين الصواب وعين الخيرة للمؤمنين، وقد ذكر الحافظ ابن القيم -رحمة الله عليه- في كتابه "زاد المعاد"(١) من الحكم في هذه الغزوة ما لا تجده في أي كتاب آخر، فتحسن مراجعته فإنه مفيد.