للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرْعٌ

الْمُسْلِمُ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ، أَوْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَيُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ عَادَ وَتَابَ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَلَوْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْدًا، فَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَكْفُرُ وَيُرَاقُ دَمُهُ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ زَلَّةٌ، وَلَمْ أَرَ مَا قَالَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى قَوْمًا، وَزَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَكْرَمُوهُ، فَأَمْرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِقَتْلِهِ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَافِرًا، وَمَنْ قَذَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَرَّحَ بِنِسْبَتِهِ إِلَى الزِّنَى، فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ، وَالثَّانِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ يُقْتَلُ حَدًّا، لِأَنَّهُ حَدُّ قَذْفٍ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَالثَّالِثُ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، ثُمَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّا إِذَا قُلْنَا: يَثْبُتُ حَدُّ الْقَذْفِ، فَعَفَا أَحَدُ بَنِي أَعْمَامِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ، أَوْ يَقُولَ: هُمْ لَا يَنْحَصِرُونَ، فَهُوَ كَقَذْفِ مَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ وَرَثَةٌ خَاصُّونَ، وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِ مِثْلِ هَذَا الشَّخْصِ، وَقَدْ يُقَالُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي الْأَعْمَامِ غَيْرُ وَارِثٍ، بَلِ الْإِرْثُ لِلْأَقْرَبِ، وَلَا يَكَادُ يُعْرَفُ الْأَقْرَب مِمَّنْ فِي الدُّنْيَا، وَيَقَعُ النَّظَرُ فِي أَنَّ عَفْوَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ هَلْ يُؤَثِّرُ؟ وَوَرَاءَهُ نَظَرٌ آخَرُ، وَهُوَ حَدُّ قَذْفِهِ هَلْ يُوَرَّثُ؟ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُوَرَّثُ، كَمَا لَا يُوَرَّثُ الْمَالُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَقْذِفْ صَرِيحًا، لَكِنْ عَرَّضَ، فَقَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ كَالسَّبِّ الصَّرِيحِ فِي اقْتِضَاءِ الْكُفْرِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِهَانَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>