يكونون تكليفا، وقد يكون مرهقا. وإن أمور العقلاء تجري على سنة المنفعة، فما يكون أكثر منفعة وأبقى يطلبه العقلاء، وما يكون أقل نفعا، ولا يبقى ينفر منه العقلاء، ولا يقبلون عليه، ولذلك بين اللَّه تعالى أن زينة الدنيا وخيراتها غير باقية، إنما الباقيات الصالحات في الآخرة هي الأكثر فائدة وأملا، فقال تعالى:
(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الباقيات وصف لموصوف محذوف، أي والأعمال التي تبقى، ولا تفنى سريعا، وهي صالحة في ذاتها عامرة لما بين العبد وربه أولا، وبينه وبين الناس ويباركها الرب ثانيا، سواء أكانت من شأنها أن تكون ذات أثر باق في الدنيا، من عمل طيب يبقى أثره بعد الموت، أم كان يرجى خيره في الآخرة، وفي الجملة الأعمال التي تكون كثيرة النفع في ذاتها ويبقى أثرها بعدها، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " هذا في الدنيا، أما في الآخرة فكل ما يحرثه العبد للآخرة يكون باقيا، يقول عليُّ كرم اللَّه وجهه:
" الحرث حرثان حرث الدنيا المال والبنون، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات، وقد يجمعهن اللَّه تعالى لأقوام، وقد حكم سبحانه بأن (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)، أي خير فائدة وعائدة وعاقبة، وتفتح باب الأمل لخير عميم، ونعيم مقيم، وجنة خالدين فيها، وكرر كلمة (خَيْرٌ)، لاختلاف نوعهما، فالأول عاجل في الدنيا، والثاني أمل ورجاء في الآخرة، وقد ذكر اللَّه تعالى الآخرة، ومقدمات البعث والقيامة فقال عز من قائل: