والتخريج الأول أظهر وأقرب إلى الخاطر، وهو المتبادر، ولقد قال بعد ذلك:(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ)، أي أن المؤمنين لوصفهم بالإيمان ولإذعانهم بالحق ولأنهم يعبدون من يملك النفع والضر، وأنه خالق الكون؛ ولأن حبهم مقصور على الذات العلية، فإنهم بذلك أشد حبا لله، ومظهر حب الله تعالى الإخلاص له، وتسليم الوجه والطاعة له، والخضوع له، ولما يأتي من عنده، فحب الله طاعته، وأن تمتلئ النفس بذكره، وأن يكون حبه كله لله تعالى لَا يحب شيئًا في الوجود إلا لله، كما قال تعالى:(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ... ) ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لَا يحبه إلا لله "(١) فالله في قلبه وفي عمله، وقوله واختلاطه بالناس، وهو معه دائما.
وإن الله تعالى قد أعد العقاب الشديد لأولئك الذين اتخذوا الأنداد، وقدسوا الحجارة، وعبدوا الطاغوت، وقد قال تعالى في وصف عقابهم الهائل:(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) والذين ظلموا هم الذين اتخذوا الأنداد، وأظهرهم، ولم يعبر عنهم بالضمير أو الإشارة، لبيان أنهم ظالمون ظلموا أنفسهم وظلموا الحقيقة، وضلوا وأضلوا، وإن ما ينالهم من جزاء هو بسبب ظلمهم، وقوله تعالى:(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) مفعول يرى، ويصح أن تكون يرى الأولى علمية، ويكون المؤدى أن ذلك يوم القيامة وظلمهم كان في الدنيا، ويكون سياق الكلام هكذا: لو يرى الذين ظلموا أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب، لو يرى الذين ظلموا ذلك، وهم يرون العذاب الواقع فعلا، والمعنى يرون العذاب رأي العين بالعين البصرية يوم القيامة ويعلمون أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العقاب.
فهم يرون العذاب فعلا رأي العين، وقد علموا في ذلك الوقت أن الله سبحانه وتعالى له القوة جميعا، فلا قوة لأحد أن يزحزحهم من النار التي هم فيها، ويعلمون أن الله شديد العقاب.
(١) عَنْ أبِي أمَامَةَ، عَنْ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: " مَنْ أحَبَّ لِلَّهِ وَأبْغَضَ لِلَّهِ وَأعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَد اسْتكمَلَ الإِيمَانَ ". [سنن أبي داود: كتاب السنة (٤٠٦١)].