أي جعل سبحانه وتعالى صنفين متقابلين كالحلو والحامض، والأسود والأبيض، وجعل منها زوجين أي الذكر والأنثى، فمنه الذكر الذي يلقح بما تحمله من البذر الرياح اللواقح، والأنثى التي تحمل بذر الذكر، كما تحمل أنثى الحيوان بذر الذكر في رحمها.
ومن هذا يتبين أن كلمة زوجين تتضمن معنى التقابل الذي يعم التقابل بين الذكر والأنثى، والتقابل في الألوان، والتقابل في الطعم، والتقابل في الصغر والكبر، وهذا كله في أرض واحدة، وكان مقتضى اتحاد الأرض واتحاد الماء أن تكون شيئا واحدا في لونه أو طعمه، أو ذكورته أو أنوثته، أو صغره أو كبره، ولكن تعددت وتخالفت، فدل هذا على وحدة الصانع الحكيم العليم المريد الذي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.
ثم بين سبحانه بعض العلاقة بين السماء والأرض، وهي الليل والنهار، فهما من دروان الأرض حول الشمس، وكل يدور في مداره، فبدوران الأرض يكون الليل والنهار، وبدوران الشمس تكون الفصول الأربعة. ولقد قال تعالى:(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ) بسكون (الغين) وهاك قراءة بفتح الغين وتشديد الشين من التغشية، وكلاهما بمعنى اللباس الذي يغشى الجسم، وفي هذا الكلام استعارة تبعية وأصلية، فأما الأصلية: فهي تشبيه الظلمة بالثوب الأسود، والضوء بالجسم الأبيض، وتبع ذلك أن شبه النهار بأنه يغشى الليل.
وإن هذا من اتصال الشمس بالأرض، أي اتصال الأرض بالسماء.
هذه آيات اللَّه تعالى، وبيناته، وخلقه، وتكوينه، وهي تدل على أنه فعل فاعل مختار لما يريد، وأن الأشياء لا تنشأ عنه سبحانه نشوء المعلول عن علته، كما يقول الفلاسفة، ويسميهم الناس حكماء وليسوا كذلك؛ ولذا قال الله تعالى:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ).