وأنه يضاعف العذاب ويتحدى صاحب الجبروت والطواغيت، وأنهم يوم القيامة هم الأخسرون، وعلى عكسهم المؤمنون الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أي أنابوا واطمأنوا إليه. وأنهم أصحاب الجنة هم فيها خالدون. وقد لخص القرآن الكريم الموازنة بين الهدى والضلال بقوله تعالى:(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٢٤).
لقد كان المشركون في مكة يعبدون أوثانا ويعاندون ويجحدون ويؤذون، فناسب أن يذكر سبحانه قصص النبيين الذين جاءوا في بلاد العرب وجوبهوا بالعناد والجحود والاستهزاء والسخرية ليتأسى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وليعرفوا عاقبتهم إذا استمروا في عنادهم. وقد ابتدأ بذكر نوح أبي البشرية الثاني بعد آدم وقالوا: إن بعثه كان في البلاد العربية أو ببلاد تدانيها، وجاء في قصة نوح - وإنها لصادقة - أنه دعا قومه إلى عبادة اللَّه وحده، وكانت إجابة الملأ من قومه مماثلة لما أجاب به المشركون في مكة وأنهم كانوا يعيرونه كما عيروا محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن الضعفاء والعبيد هم الذين قال الملأ من قوم نوح الذين سارعوا في الكفر وبادروه (. . . مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧).
وقد قالت قريش مثل هذا القول للنبي - صلى الله عليه وسلم - (وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكل الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ. . .)، وقد قال نوح لقومه إنه على بينة من ربه الذي آتاه رحمة (. . . فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)، كما أنه لَا يسألهم أجرًا، وطالبوه أن يطرد من معه لأجل أن يدخلوا في دعوته فيقول نوح عليه السلام:(وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣٠)، ثم عيره قومه أنه ليس غنيا مثل كبرائهم في