ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
بيد أن كلام الله العلي الكبير فيه تأكيد ذمهم لَا تأكيد مدحهم، فكان حقه عليهم أن يعدوا محمدا ودينه بركة عليهم يقدرونها حق قدرها.
وقد ذكر سبحانه أن هذا الغنى من فضل الله تعالى مَنَّ به عليهم كان يوجب عليهم حسن الصحبة لمن جاوروهم الذين جاء الخير على أيديهم، لَا أن يتربصوا بهم الدوائر، وذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجوار رب العزة، وهو الغني والناس جميعا فقراء إليه سبحانه، ذكر الرسول مع الله تعالى؛ لأن الخير كله أجراه الله تعالى على يديه، ولكي يعلموا أن مقدمه عليهم بركة وخير، ولأن الله تعالى أكرمهم لمقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ظهرانيهم.
ومع هذه المكايد والفتن فتح اللَّه تعالى لهم باب التوبة، فهو ينهى عن أن يقنط عباده من رحمته، فباب الرحمة والتوبة مفتوح، ولذلك قال تعالى فاتحا باب الأمل لهم:
(فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ).
أي إن يتوبوا توبة نصوحا يخلعون فيها أنفسهم من الكفر، كما يخلع الثوب النجس ليلبس طاهرا، (يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ)؛ أي يكون ذلك خيرًا لهم؛ لأن نفوسهم قد طهرت، وطهارة النفس في ذاتها خير، واستقامة النفس اطمئنان وإيمان، وخير أيضا؛ لأن النفاق ضعف، والإيمان قوة، وقوة النفس خير، وخير أيضا لأنه نجا من خزي النفاق وذله وجبنه، وخير لأنه نجا من عذاب يوم القيامة، وإنه يكون عكس ذلك إن استمروا على في بهم، وبقوا في رجسهم، ولذا قال سبحانه:
(وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، أي إن أعرضوا وانصرفوا إلى الفساد وساروا في طريقه يعذبهم الله في الدنيا بضعف نفوسهم