للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذا يقول في بيان حالهم عندما يكشف أمرهم وتعلم أقوالهم:

(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ... (٧٤)

قلنا: إن أقوالهم المنافقة كثيرة لَا تخص واحدة دون الأخرى، بل كلما تكشتَف قول ينبئ عن نفاقهم - كذبوه وحلفوا اليمين الغموس الفاجرة، وقد أشرنا إلى أن اليمين الفاجرة، كانت المساغ لكذبهم، لعنهم الله هم وأخلافهم في هذا الزمان، وقد قالوا كلمة الكفر أي ما قالوه فيه كلمة واحدة هي كافية لطردهم من رحمة الله، واستحقاقهم نار جهنم، وهي إنكار الرسالة المحمدية؛ إذ هي الكلمة التي أوقعتهم في حضيض الكفر، أو نقول " كلمة " بمعنى كلمات، وكلمة بها كلام قد يُؤَم (١)، والمراد أن كلامهم كله في الاستهزاء والتهكم، وإيقاع الفرقة، والدس والفساد، هو كفر.

وقال (بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) أي بعد إعلانهم الإسلام، وإبطانهم الكفر والنفاق، فهذه الكلمة أو الكلام قد كشف نفاقهم الذي كان مستورًا بإعلان الإسلام، فما استفادوا إلا بيان حالهم، ومعرفة الوصف الحقيقي لهم.

(وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا) أرادوا أن يفسدوا أمر المؤمنين، وتوقعوا الفتنة والفشل فيهم، ولم ينالوه؛ لأن الله تعالى رقيب عليهم، وكاشف للمؤمنين أمرهم، وكلما أوقدوا نار فتنة أطفاها الله سبحانه وتعالى، وعادت الأمور بيضاء لا فتنة فيها، ولقد هموا بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أرادوا الفتك به بإِلقاء حجر عليه فكشف الله تعالى بالوحي أمرهم ولم ينالوا مأربهم، وهموا بقتله في عودته من تبوك ولم ينالوا ما يبغون؛ لأن الله تعالى عاصمه من الناس، فإنهم جمعوا عددا ما بين اثني عشر، وخمسة عشر رجلا للفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في أعلاها، على حسب اختلاف الرواة كي يفتكوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإليك القصة كما رواها الإمام أحمد


(١) (وكلمة بها كلام قد يُؤَمّ)، شطر بيت من ألفية ابن مالك، ومعناه: أن " كلمة. تطلق، ويقصد بها " كلام "، مثل كلمة التوحيد: لَا إله إلا الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>