للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُنَزِّل قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، فإن الله العليم الحكيم هو الذي يختار من الآيات الدالة على رسالة أنبيائه ما يراه أقوى دلالة، وأكثر بقاء، فهو الذي يعلم الآيات كلها، وهو الذي يدبر كل شيء بحكمته، وإرادته، وإن الله أعلم حيث يجعل رسالته، وهو أعلم بمكان آيته، ولقد قال تعالى في ذلك: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي أي إنكار الوقوع، فما بعدها يكون منفيا بها، ولم نافية لما بعدها، فيكون نفي النفي، ونفي النفي إثبات، كما يقر علماء البيان، والنفي على طريقة الاستفهام فيه تنبيه بليغ، لأن الاستفهام في ذاته فيه إثارة للانتباه، والمعنى: تعلم أيها الرسول، أن الله تعالى له السلطان الكامل في السماوات والأرض، فله التدبير المطلق الذي لَا قيد يقيده لَا يسأل عما يفعل وهم يسألون فإذا اختار آية دالة على رسالة نبي مرسل، فله أن يختار آية أخرى لنبي آخر، فإذا اختار تسع آيات لموسى، واختار مثلها لعيسى، فله أن يختار لمحمد - صلى الله عليه وسلم - غيرها أبقى وأدوم، وأقوى دليلا، وتحديا للأجيال كلها الإنس والجن.

وإن الله سبحانه وتعالى ببيان هذا العلم الشامل الواسع يشير سبحانه وتعالى إلى بيان القدرة على عقاب من يكذب وينكر، ويجحد بآيات الله تعالى ويقول حيث وضح الحق وقام، إنما أنت مفتر؛ ولذلك قال تعالى من بعد بيان شمول علم الله تعالى: (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) وهذا أنفَى لهم عند العذاب النازل بهم من أن يكون لهم ولي، أي صديق، أو ذو ولاية عليهم يحميهم بولايته، ويكلؤهم بمحبته أو نصير ينصرهم والشدائد نازلة بهم يوم القيامة.

وقد أكد الله تعالى نفي الولي والنصير، بمن التي تدل على استغراق النفي، أي ليس للمعاندين لآيات الله تعالى ولي أي ولي كان، ولا نصير أي نصير كان قويا أو ضعيفا، وأكد سبحانه النفي بتكرار لَا. وإن ذلك النفي المؤكد يفيد أنهم يجيئون إلى الله تعالى فرادى كما خلقهم أول مرة، وهو سبحانه مالك يوم الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>