إن الذين يعاندون الله تعالى، ويحادون رسوله ومن اتبعه من المؤمنين، ويحادون الله بمحادة عباده المؤمنين. الله لَا يحاده شيء في الوجود، فإنه (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) لَا تكونون في الوجود، وذلك بإماتتكم أو إفنائكم (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ) من الخلق، ومعنى (يستخلف) يكون خلفا لكم في الأرض ما يشاء من عباده، وجاء الكلام للدلالة على العموم، والمعنى أنكم وجدتم بمشيئة الله، ويذهبكم بمشيئته، وبجعل خلفا لكم من يشاء فأنتم في حياتكم ومماتكم، وحياة من بعدكم ومماته بمشيئته سبحانه، وهذا كما قال تعالى:(وَإِن تَتَولَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ). وكما قال تعالى:(إِن يَشَأ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأتِ بِآخَرِينَ. . .)، وقد أقام سبحانه الدليل على الإذهاب والاستخلاف بحالهم هم، فقال تعالى:(كمَا أَنشَاكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ).
أي أنتم لستم أول المخلوقين ولا آخرهم، فقد كنتم ذرية لمن سبقوكم، وهم قوم آخرون، وستكون من بعدكم ذرية، وقوله تعالى:(كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) تشبيه لحال الذين يخلفونهم بحالهم، فهو قياس حالهم على حال من يجيئون بعدهم، فإذا كنتم قد نشأتم من ذرية من سبقوكم، فمن يخلفونكم ينشئون من ذريتكم. والخلاصة: الله غني عنكم، وهو يرحمكم، والوجود يتوالد بعضه من بعض بقدرة الله تعالى والأجيال متعاقبة فإن كنتم جيلا كافرا، سيجيء من بعدكم جيل مؤمن، والله على كل شيء قدير.