والذي نرأه ما قلناه من قبل، وهو بيان أن العذاب بمشيئته سبحانه، وإنه إن شاء رفعه، ولكن لم يشأ فبقي الخلود على مدلوله.
ولا يقال إن مشيئة الله تعالى في عدم التخليد تتحقق في عصاة المسلمين، إذ عقابهم على سيئاتهم وما يفعلوا من خير فلن يكفروه، ويرد هذا أن الكلام في الكافرين بدليل وصف الخلود، إذ يقول سبحانه خالدين فيها.
ومن الغريب أن ابن القيم الذي ساق الأدلة غير الصحيحة في أن العذاب غير دائم، قال إن نعيم الجنة دائم، وأنه لَا مرية فيه، مع أنه جاء في سورة " هود " الآية الخاصة بنعيمِ الجنة والاستثناء بالمشيئة أيضا، فقد قال تعالى:(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨).
وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى:(إنَّ رَبَّكَ حَكِيم عَلِيم).
ختم هذه الآية الكريمة بذلك الكلام، وهو يؤيد مشيئة الله المطلقة التي دل عليها الاستثناء (إِلَّا مَا شاءَ) فإن مشيئة الله تعالى تسير على مقتضى ربوبيته التي ربت الإنسان وأتمت عليه بالنعمة، وحكمته التي تقدر الأمور والأشياء والأشخاص، وأنه ما خلى هذا الوجود عبثا، كما قال تعالى:(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثَا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا ترْجَعُونَ)، وأن تدبيره للوجود بمقتضى علمه الذي أحاط بكل شيء، تعالى الله علوا كبيرا وتنزهت ذاته وعلت حكمته، وسع كك شيء علما.