هذا تتميم لما ذكره سبحانه وتعالى من كتب، وبيان تعاقب الرسل المعروفين ذوي الشرائع التي سنت الأحكام وعبّدت المناهج، فقد ذكر سبحانه وتعالى أنه أنزل التوراة وشرع ما فيها من أحكام، وأن على أهل التوراة أن يحكموا بها، ثم أعقب الإنجيل التوراة، وأتى بأحكام يجب تنفيذها، وأكد ما اشتملت عليه التوراة مما لم يجئ نسخ بها، وأتم الله سبحانه وتعالى البيان بذكر رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبه تمت الرسالة الإلهية، وكملت شرائع الله تعالى، وقد قال تعالت كلماته:(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) في هذا النص السامي، نجد بعض إشارات بيانية تشير إلى مكانة القرآن بين الكتب السماوية، وتبدو هذه الإشارات في ثلاث نواح:
الناحية الأولى - أنه سبحانه لم يقل وقفينا على آثارهم بمحمد أو نحو ذلك، بل بين سبحانه أنه أنزل الكتاب، وفي ذلك إشارة إلى معنى استقلاله، وأنه لم يكن فيه تبعية لغيره من الكتب، بل هو مستقل بالمكانة منفرد بها من غير تبعية أيا كان نوعها، وأيا كان مقدارها، وذكر الكتاب دون ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صراحة للإشارة إلى مكانة الشريعة الإسلامية وكتابها الكريم الباقي والخالد إلى يوم القيامة، وهو معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا ذكرها سبحانه في مقام الإكبار والتفخيم يكون بيانا لمكانة الرسالة المحمدية، وبيان أن حجتها أقوى الحجج، وأشدها تثبيتا، وأبقاها في هذا الوجود، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الكتاب من غير تعريف سوى ذلك، و (أل) كما قال علماء اللغة للعهد، وفي ذلك إشارة إلى كماله، أي أنه " الكتاب " الذي هو جدير باسم الكتاب، بحيث إذا أطلق اسم الكتاب لا ينصرف إلا إليه؛ لأنه الفرد الكامل من بين الكتب في هذا الوجود.
وقد زاده الله تعالى شرفا فنسب الإنزال إليه سبحانه، وفي ذلك تأكيد لمنزلته العالية السامية.
الناحية الثانية - من الإشارات البيانية المبينة لمكان القرآن - هو بيان أنه سجل الرسالات السابقة، والشاهد بصدقها فهو مصدق لكل الكتب السابقة،