الحكيم، والشهود في يوم القيامة عليهم كثيرة متعددة، فإنه تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وألسنتهم بما كانوا يفعلون.
وهنا أربع إشارات بيانية:
أولها - التنبيه إلى مجادلة المؤمنين عن المنافقين، ووقوعها في الماضي، وتوقعها في القابل، وذلك للإشارة إلى حسن ظن المؤمنين بالناس. وقد قرر سبحانه التنبيه إلى ذلك في قوله تعالى:(هَا أَنتُمْ هَؤلاءِ)، فتكررت هاء التنبيه، وذكر اسم الإشارة الذي هو تنبيه ثالث، وذلك التنبيه إلى الواقع والمتوقع للتنبيه إلى الاحتراس، ومراقبة أنفسهم عندما يفرطون في الثقة بمن ليس بها جديرا.
ثانيها - التعبير بالماضي في قوله تعالى (جَادَلْتُمْ) مع أن النهي منصب على المستقبل، لبيان تحقق وقوع المجادلة عن المنافقين مع توقع وقوعها، إذ النهي لا يكون إلا عن أمر محتمل الوقوع في المستقبل، والصيغة تتضمن اللوم على الواقع، والنهي عما يمكن أن يقع.
ثالثها - الإشارة إلى أن المجادلة في الحياة الدنيا، إنما سببها الجهل بالقلوب، وعدم تحري ما تنطوي عليه، وأن حالهم ستنجلي يوم القيامة، فإذا كانوا يخدعون أهل الدنيا، فالله سبحانه كاشفهم وخادعهم يوم القيامة.
رابعها - أن الله سبحانه وتعالى نبَّه إلى أن المجادلة عنهم نوع من المحاماة عن الرذيلة، والدفاع عنها، ولذا قال سبحانه:
(أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) ومعنى النص الكريم: إذا كانوا يحامون عنهم، ويجادلون عنهم في الدنيا، فسيلقون ربهم يوم القيامة غير راض عنهم ولا محب لهم، فلا يُرحمون في ذلك اليوم، ولا يُغفر لهم؛ لأنهم لم يتوبوا، واستغرقت نفوسهم الخطيئة، ولا منجاة لهم من العذاب، ولا مخاصم عنهم أمام الله!! اللهم ارحم أمتك من نفاق المنافقين واجعلنا من عبادك المخلصين.