للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنتج آثارها في الجماعة حتما، مهما تكن نية صاحبها، ولكن صاحبها لَا ينال أجر المنفق إلا إذا خلصت نفسه من هذه العناصر الثلاثة: المن، والأذى، والرياء؛ فإن النتائج للأعمال، أما الثواب فللنيات؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " (١).

والمن: أن يَعُدَّ الإنسان إحسانه على من أحسن إليه، متطاولا به عليه، مبينًا له: أنها فضل ساقه إليه، غير مشكور، وإن ذلك فيه اتجاه إلى طلب المثوبة من العبد، لَا من الرب، فله ما اختار. ولقد قال الزمخشري في تفسيره: " صنوان مَن منح سائله ومَنَّ، ومن منع نائله وضنَّ " ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاثة لَا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنانُّ بما أعطى " (٢).

والأذى: أن يصدر عنه ما يؤلم من يأخذ ولو بغير منٍّ، كأن يقول له: ألا تعمل! أو يتجهم في وجهه عند العطاء، أو ينتقد بغير الحق الذين قاموا على المال الذي جمع لوجه عام. ويروى أن امرأة قالت لصحابي: دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقًّا، فإنهم إنما يخرجون يأكلون الفواكه، فإن عندي أسهمًا وجعبة، فقال: " لا بارك الله في أسهمك وجعبتك فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم! ".

ولماذا كان المن والأذى مانعين للأجر؛ لأن الأجر هو جزاء من الله، فمن تصدق يبتغي وجه الله فله ثوابه، ومن مَنَّ أو آذي فقد قصد غير وجه الله فليس له أن يطلب ثوابه. ولقد قال في ذلك ابن جرير الطبري:

(أوجب الأجر لمن كان غير مان ولا مؤذ لمن أنفق عليه في سبيل الله؛ لأن النفقة في سبيل الله مما ابتغي به وجه الله وطلب به ما عنده؛ فإذا كان معنى النفقة في سبيل الله هو ما وصفنا، فلا وجه لمن المنفق على من أنفق عليه؛ لأنه لَا يد له قِبَله، ولا صنيعة يستحق بها عليه - إن لم يكافئه عليها - المنَّ والأذى إذا كانت نفقة مَا أنفق عليه احتسابًا وابتغاء ثواب الله وطلب مرضاته، وعلى الله مثوبته دون من أنفق عليه).


(١) سبق قريبا تخريجه من رواية البخاري ومسلم، وقد استفتح به البخاري صحيحه.
(٢) رواه النسائي: الزكاة - المنان بما أعطى (٢٥١٥)].

<<  <  ج: ص:  >  >>