للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمفسرون جميعًا مجمعون على أن النفقة في سبيل الله تنتج سبعمائة مثل لها؛ لأن صاحبها يكافئه الله تعالى عليها بتلك المكافأة السخية، وهو سبحانه وتعالى المعطي الوهاب، وإن ذلك وجه صحيح بلا شك، ويزكيه قوله تعالى بعد ذلك: (وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) فإنه في ظاهره يدل على عطاء الله بالثواب على الحسنة بعشر أمثالها، وعلى الصدقة بسبعمائة مثل؛ فلا حد لفضله وعطائه سبحانه.

ولكن يصح مع ذلك أن نقول: إن الصدقة في سبيل الله تنتج سبعمائة مثل لها، لَا من حيث الثواب الذي يناله المنفق ممن يملك الثواب فقط، بل من حيث النتائج التي تنتج عنها، فإن نتائج الإنفاق في سبيل الله عظيمة تعود على الأمة بسبعمائة مثل لهذه الصدقة أو تزيد، فإن الإنفاق في سبيل الحرب بإعداد العدة يدفع كيد الأعداء فتنجو الأمة، وفي نجاتها خير كثير هو أكثر من سبعمائة ضعف من المال الذي أنفق. ومن يعطِ يتيما ويدر عليه من ماله فإنه يربيه، فتكون منه قوة عاملة في الأمة، تأتي من وجوه الخير بأضعاف ما أنفقت في تربيته، ودفع شرا خطيرا، وهو أن يكون ذلك اليتيم إن لم يتعهد بالتربية الصالحة عنصر تخريب في الأمة. ومن ينشئ مستشفي، فإنما يدفع أدواء تعوق القدرة الإنسانية فلا تنتج، فإذا حمى هذه القدرة فقد قدم للجماعة خيرًا كثيرًا بهذا الإنتاج.

وعلى ذلك نقول: إن سبعمائة الضعف ليست فقط هي الثواب الذي يناله صاحب الصدقة، إنما هي مع ذلك النتائج الجليلة التي ترتبت على هذه الصدقة.

وإنه ليزكي نظرنا هذا، إسناد الإنبات إلى الحبة، وهي التي شبهت بها الصدقة؛ لأن ذلك يدل على أن تلك الأضعاف نماء لتلك الحبة، وهي أنسب في معنى النتائج النافعة للصدقة في الأمة، لَا مجرد النفع فقط بالثواب لصاحبها.

وإن ذلك القول كله مبني على أن التشبيه بين الصدقة في نتائجها وبين الحبة في نمائها الدر الوفير؛ وأن الكلام على تقدير مضاف في قوله: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ) أي نفقة الذين ينفقون، على هذا التخريج الذي قاله كل المفسرين. ولقد خطر لي أنه لَا مانع من أن يكون التشبيه بين المنفقين أنفسهم من حيث كونهم عنصر

<<  <  ج: ص:  >  >>