أي عمل من الأعمال يعمله الإنسان ويتقرب به إلى الله عز وجل شرط قبوله وكونه نافعاً عند الله أن يجتمع فيه أمران: أحدهما: أن يكون ذلك العمل خالصاً لوجه الله.
والثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد من توافر الإخلاص ولابد من توافر المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا فقدا معاً أو فقد واحد منهما فإن العمل مردود على صاحبه، فإذا فقد الإخلاص والمتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام فالعمل مردود، وإن وجد الإخلاص ولكن العمل مبني على بدعة فإنه مردود ولو كان الإنسان مخلصاً فيه لله عز وجل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وقوله:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقد جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه بين للناس أن الأضحية من بعد صلاة العيد، فأحد الصحابة رضي الله عنه وأرضاه ذبح أضحيته قبل الصلاة وكان قصده طيباً، وكان يريد شيئاً حسناً، وهو أنه إذا فرغ الناس من صلاة العيد وهم محتاجون إلى اللحم يجدون أضحيته مطبوخة فتكون أول ما يأكل الناس من الأضاحي، فلما علم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ذبح قبل الصلاة قال له:(شاتك شاة لحم) يعني: ليست أضحية؛ وإنما هي مثل الذبيحة التي تذبحها في محرم وصفر وربيع من أجل أن تأكل، فهذه من جنسها؛ لأنها لم تقع في الوقت الذي شرع فيه ذبح الأضاحي وهو بعد الفراغ من صلاة العيد، وبعدما يصلي الناس صلاة العيد.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض أهل العلم أنه قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة فإنه لا يعتبر، ولو كان قصد صاحبه حسناً.
فالإخلاص إذا وجد لابد معه من متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن قول: أشهد أن لا إله إلا الله، يعني: الإخلاص لله وحده، وأشهد أن محمداً رسول الله، يعني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
يقول شارح الطحاوية: هناك توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول وتوحيد المرسل، وتوحيد المرسل -وهو الله- يكون بالإخلاص، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، فلا يعبد إلا الله، ولا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله، فالعبادة لله وحده، وكون العبادة لله وحده لابد أن تكون على وفق سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا العمل الذي عمله ذلك الصحابي لم يعذره الرسول فيه، ولم يقل له: مادام أن قصدك حسن فشاتك أضحية، بل قال:(شاتك شاة لحم).
أيضاً أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى أناس متحلقين في المسجد وبأيديهم حصى، وفي كل حلقة شخص يقول لهم: سبحوا مائة.
فيسبحون ويعدون بالحصى: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، حتى يكملوا مائة، ثم يقول: كبروا مائة، فيكبرون: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ويكبرون مائة، فإذا قال: هللوا مائة، قالوا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وهكذا ... فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: ما هذا يا هؤلاء؟! إما أنكم على طريقة أهدى من طريقة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة، وهم فهموا أنهم لا يكونون على طريقة أهدى من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فبقيت الثانية وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فقالوا: سبحان الله! يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير.
فقال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه! فالإنسان الذي قصده حسن ويخلص لله لابد أن يكون عمله مطابقاً لسنة رسول الله، ثم قال: عدوا سيئاتكم فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، فكونهم يفعلون الأمر المبتدع يأثمون، والمشروع أن كل واحد يسبح الله تعالى في نفسه ولا يخفى على الله خافية، ولا يكون ذلك بالعد بالحصى، ولا بغير الحصى، وإنما الإنسان يعد ما ورد عده، مثل التسبيح بعد الصلاة ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين، ويقول عند تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فهذا شيء جاءت به السنة، والإنسان يعد بأصابعه، ولكن كون الإنسان يسبح بحصى هذا شيء لم يأت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال أبو عبد الرحمن ما قال، ونبه إلى أن الصحابة هم القدوة وهم الأسوة وهم السابقون إلى كل خير، ولو كان خيراً لسبقوا إليه.