[شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب على ما يقاتل المشركون.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب على ما يقاتل المشركون، يعني: على أي شيء يقاتلون؟ يقاتلون لكونهم كفاراً إلا إذا حصل منهم الدخول في هذا الدين، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاتان الشهادتان متلازمتان لا بد منهما: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والنبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: (أمرت)، أو (نُهيت) فالآمر له هو الله سبحانه وتعالى، وأما الصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا فالآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، (إذا قالوها) يعني: دخلوا في الإسلام فعصموا أموالهم وأنفسهم بذلك، عصموا أنفسهم من القتل وأموالهم من الأخذ والغنيمة.
وقوله: (إلا بحقها) أي: بحق هذه الكلمة التي هي لا إله إلا الله وهو مقتضاها.
قوله: (إلا بحقها).
يمكن أن يرجع إلى الشهادة وأن مقتضاها الأخذ بما تتطلبه من الصلاة والصيام وما إلى ذلك، ويمكن أن يكون المقصود حق الأنفس والأموال في أن القتل إنما يكون إذا أسلم، فلا يقتل بسبب الكفر؛ لأنه سلم من الكفر بإسلامه وبإظهار الشهادة، ولكنه يقتل بكونه مستحقاً للقتل بعد أن يسلم إذا كان قصاصاً أو غير ذلك مما يكون مستحقاً به القتل، وكذلك المال يكون فيه معصوماً إلا إذا امتنع من الحق الذي عليه في ماله فإنه يؤخذ منه.
(وحسابهم على الله) يعني: نحن لنا الظاهر والبواطن علمها عند الله عز وجل، فلم نؤمر أن نشقق ما في القلوب ونعرف ما فيها؛ لأن ذلك من علم الله عز وجل، ولكن لنا الظاهر، وهو: أن من أظهر الإسلام قبلنا منه، والله تعالى هو الذي يتولى حسابهم سواء اتفق الظاهر والباطن أو أن الظاهر يكون على خلاف الباطن، والناس ليس لهم إلا الظاهر، والباطن علمه إلى الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:٢٥ - ٢٦] فإذا دخل في الإسلام، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه يعصم نفسه بذلك، وإذا كان قال ذلك نفاقاً فأظهر الإسلام وأبطن الكفر فالله تعالى هو الذي يتولاه، والمنافق النفاق الاعتقادي في الدرك الأسفل من النار كما جاء ذلك في القرآن الكريم.
وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة، فهو في الكتب كلها.
كذلك جاء الحديث عن ابن عمر ولم يذكره أبو داود هنا، وإنما هو في الصحيحين: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) بمعنى حديث أبي هريرة، والحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن هذا الحديث من غرائب الصحيح، يعني: كونه جاء من طريق واحد، يعني حديث ابن عمر قال: وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، ومعلوم أن الحديث عند العلماء باعتبار الصحابي يكون متفقاً عليه، وعندما ينفرد به مسلم إنما هو باعتبار الصحابي، وليس معناه أن المتن يكون موجوداً عن صحابي وصحابي، وقد يكون مسلم رواه من طريق صحابي غير الصحابي الذي رواه البخاري من طريقه، والمتفق عليه أن يكون البخاري ومسلم روياه من طريق صحابي واحد مثل حديث جبريل المشهور اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث أبي هريرة، وانفرد مسلم بإخراجه من حديث عمر، فهو من أفراد مسلم عن عمر، وهو من المتفق عليه عن أبي هريرة، وهنا يقول الحافظ ابن حجر: إن حديث ابن عمر - (أمرت أن أقاتل الناس) - المتفق على صحته من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، مع أن حديث أبي هريرة الذي بمعناه موجود فيه.
وكما عرفنا أن الرواية تكون باعتبار الصحابي، فإن مسند الإمام أحمد موجود فيه حديث أبي هريرة هذا، لكن الذي لا يوجد في مسند الإمام أحمد حديث ابن عمر فالحديث يعتبر متفقاً عليه، ويعتبر فرداً من حيث الصحابي.