[شرح حديث: (دخلت على النبي وهو يستاك)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف يستاك.
حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه قال مسدد: قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله، فرأيته يستاك على لسانه)، قال أبو داود: وقال سليمان: قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك، وقد وضع السواك على طرف لسانه وهو يقول: إه إه) يعني: يتهوع، قال أبو داود: قال مسدد: كان حديثاً طويلاً ولكني اختصرته].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب كيف يستاك، بعدما ذكر السواك ومشروعيته والترغيب فيه والحث عليه، والاستياك يكون على اللسان ويكون على الأسنان، قالوا: والاستياك في الأسنان يكون عرضاً؛ لأنه بذلك ينظف الأسنان ولا يعرض اللثة لأن تجرح أو تتأثر، فإذا كان يستاك من فوق إلى تحت فإن ذلك قد يؤثر على اللثة، ولكنه إذا كان يستاك عرضاً فإنه يجري على الأسنان دون أن يؤثر على اللثة.
وأورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه جاء مع نفر من الأشعريين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أنهم جاءوا يستحملونه ويطلبون منه الحملان، يعني: يحملهم أو يعطيهم مركوبات يركبون عليها للجهاد في سبيل الله، وجاء في بعض رواية هذا الحديث أن أبا موسى رضي الله تعالى عنه جاء ومعه اثنان من الأشعريين، وكان أبو موسى بينهما، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما وصلوا إليه وجدوه يستاك، فالأشعريان اللذان كانا مع أبي موسى طلبا منه العمل، وأرادا منه أن يوليهما، وأبو موسى رضي الله عنه ما كان يعرف ما في أنفسهما وما كانا يريدان، وخشي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يظن أنهم جاءوا لهذه المهمة ولهذا الغرض، وأن أبا موسى غرضه غرضهم؛ لأنه جاء وإياهما فتكلما، فأراد أن يبرئ ساحته، وأنه ما عرف ما في نفوسهما وما أراداه، وأن هذا شيء منهما، وأنه ليس متفقاً معهما على ذلك، ولا يعرف أنهما كان يريدان ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نولي عملاً أحداً طلبه، ثم ولى أبا موسى ولم يولهما)، ولى أبا موسى على اليمن وأتبعه بـ معاذ بن جبل ولم يول الاثنين اللذين طلبا العمل.
فالمقصود: أنهم جاءوا إليه وهو يستاك، وقد بوب النسائي لهذا بقوله: باب استياك الإمام بحضرة رعيته.
يعني: أن هذا من الأمور التي لا يختفي الإنسان ويتوارى فيها عن الأنظار عندما يؤديها؛ لأنها من الأمور الطيبة وليست من الأمور المستكرهة والمستقذرة التي لا يناسب أن تكون إلا إذا كان الإنسان غير بارز فيها، بل يكون مستتراً ومختفياً، ولهذا قال: باب استياك الإمام بحضرة رعيته.
يعني: أن مثل ذلك سائغ، وأن المجالس والمجامع التي يكون فيها الناس يمكن أن يستاك فيها من يستاك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استاك وعنده الناس، وهؤلاء الذين جاءوا إليه جاءوا إليه وهو يستاك ولذا قال: (والسواك على لسانه وهو يقول: إه إه) يعني: أنه يتهوع كأنه يريد أن يتقيأ؛ لأن السواك إذا كان على اللسان كأنه يحصل له شيء فكأنه يشبه التقيؤ.
وقوله: [قال مسدد: قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستعمله فرأيته يستاك على لسانه) قال أبو داود: وقال سليمان: قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك)].
بين أبو داود رحمه الله لفظ كل من شيخيه؛ لأن أبا داود له في هذا الحديث شيخان: أحدهما: مسدد، والثاني: سليمان بن داود العتكي، ولفظ الأول يقول: (أتينا رسول الله)، ولفظ الثاني يقول: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك)، والمقصود: أن فيه كيفية الاستياك أو فيه الإشارة إلى الكيفية، وأن السواك كان على طرف لسانه.