[شرح حديث (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الضحى.
حدثنا أحمد بن منيع عن عباد بن عباد، ح: وحدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد -المعنى- عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة: تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، وإماطته الأذى عن الطريق صدقة، وبضعة أهله صدقة، ويجزىء من ذلك كله ركعتان من الضحى)].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب صلاة الضحى] أي: الصلاة في الضحى، وصلاة الضحى سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة أورد أبو داود رحمه الله في هذا الباب جملة منها، وهناك أحاديث لم يذكرها أبو داود تدل على ما دلت عليه الأحاديث التي أوردها أبو داود، ومنها ما هو في الصحيحين، ومنها ما هو في أحدهما، ومما لم يذكره أبو داود في هذا الباب حديث أبي هريرة المتفق على صحته: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد).
فهذان حديثان أحدهما في الصحيحين عن أبي هريرة وقد عبر أبو هريرة فيه بقوله: (خليلي).
والآخر في صحيح مسلم عن أبي الدرداء، وقد عبر فيه أبو الدرداء بقوله: (حبيبي صلى الله عليه وسلم).
وقد أورد أبو داود جملة من الأحاديث الدالة على فضل صلاة الضحى، وعلى الترغيب فيها، والحث عليها، ومنها حديث أبي ذر الذي أورده المصنف أولاً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [(يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة)] والسلامى: هي المفاصل والأعضاء التي تتحرك وتلين وتنهصر عندما يتحرك الإنسان، هذه هي السلامى، وقيل: المراد بها سلامى اليدين والرجلين، وهي المفاصل، وقيل: إنها تشمل ما هو أعم من ذلك، وهو جسم الإنسان كله، وقد جاء في بعض الأحاديث أن جسم الإنسان فيه ثلاثمائة وستون مفصلاً، وهذه عليها صدقة، وهذه الصدقة أنواع: منها ما هو صدقة من الإنسان على نفسه، ومنها ما هو صدقة منه على نفسه وغيره، فكون الإنسان يصلي صدقة منه على نفسه؛ لأن الصلاة نفعها مقصور على الإنسان، وليس متعدياً، وهناك صدقات يحصل تعدي النفع بها، كأن يسلم الإنسان على غيره، فهذه صدقة متعدية؛ لأنه يتصدق على نفسه وعلى غيره؛ لأن السلام دعاء، ويتطلب جواباً وهو دعاء.
فكون الإنسان يسلم على غيره هو صدقة منه على نفسه وعلى غيره؛ لأنهما يحصلان أجراً، والذي يبدأ بالسلام أفضل والذي يسلم عليه -أيضاً- يدعى له وهو يجيب بالدعاء، فهي صدقة متعدية.
قوله: [(تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة)].
هذا فيه أن الإنسان يسلم على من لقي ممن يعرف ومن لا يعرف، فقوله: [(من لقي)] عام، يشمل من يعرف ومن لا يعرف، وليس السلام خاصاً بالمعرفة، وإنما هو على من يعرف ومن لا يعرف، ولهذا قال: [(من لقي)]، وقد جاء في الحديث: (وأن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف) يعني أنه للعامة وليس لأحد أن يميز ويخص به.
قوله: [(أمره بالمعروف صدقة ونهيه عن المنكر صدقة)].
وذلك حين تأمر غيرك بمعروف فتدله على خير، وتحذره من شر، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، فهي صدقة منك عليه، وهي صدقة منك على نفسك أيضاً؛ لأن الإنسان يؤجر على أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
وسواءٌ استجيب له أو لم يستجب فهو مأجور، فإذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد حصل أجراً، لكن المأمور إن حصل أنه انتفع واستفاد فإنه يحصل أيضاً أجراً، فكون الإنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هو صدقة منه على نفسه وعلى غيره.
[(وإماطته الأذى عن الطريق صدقة)].
أي: كون الإنسان يجد شيئاً في الطريق يؤذي الناس -سواءٌ المشاة أو السيارات-، أو يجد شيئاً يسبب الانزلاق إذا وطئ عليه، فيحصل بذلك ضرر فيرفعه فإماطته الأذى عن الطريق صدقة، والأذى هو أي شيء يؤذي الناس من شوك أو زجاج أو حديد أو حصى أو قشر موز أو غير ذلك من الأشياء التي يحصل بسببها أذى.
قوله: [(وبضعة أهله صدقة)].
يعني: كون الإنسان يجامع أهله صدقة منه على نفسه وعلى غيره؛ لأنه يعف نفسه ويعف أهله، ويتصدق على نفسه وعلى غيره.
قوله: [(ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى)].
يعني: إذا فعل في كل يوم هاتين الركعتين من الضحى فإنهما تجزئان عن هذه الصدقة التي هي على الأعضاء، وذلك: أن الإنسان إذا ركع الركعتين تتحرك أعضاؤه ومفاصله، فيكون بذلك قد تصدق على نفسه بهذه الصلاة، وهذا يدلنا على فضل هذه الصلاة؛ لأنها تعتبر مجزئة عن هذه الصدقة التي هي على كل سلامى من جسم الإنسان في كل يوم من الأيام.