ذكَرَه، أو أكَلَ لحمَ إبلٍ ولم يتوضَّأْ، ثم يتبيَّنَ له وجوبُ ذلك، وأمثالُ هذه المسائلِ.
وأصلُ ذلك: أن الخطابَ هل يثبتُ في حقِّ المكلَّفِ قبلَ التمكنِ من سَماعِه؟ على ثلاثةِ أقوالٍ لأحمدَ وغيرِه؛ قيلَ: يثبُتُ. وقيلَ: لا. وقيلَ: يُفرَّقُ بين الخطابِ الناسخِ وبين المبتدئ كما في القبلة.
والصحيحُ: أنه لا يثبُتُ قبلَ التمكنِ، وأن القضاءَ لا يجبُ في الصور المذكورةِ، معَ اتفاقِهم على انتفاءِ الإثمِ.
وجاء في الحديثِ:«يأتي على الناسِ زمانٌ لا يعرفونَ فيه صلاةً، ولا زكاةً، ولا صومًا، ولا حجًّا، إلا الشيخَ الكبيرَ والعجوزَ الكبيرةَ يقولون: أدْرَكْنا آباءنا وهم يقولونَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فقيلَ لحُذَيفةَ بنِ اليمانِ: ما تُغني عنهم «لا إلهَ إلا اللهُ» بلا صومٍ، ولا صلاةٍ، ولا زكاةٍ، ولا حجٍّ؟! فقال:«تُنجِّيهم من النارِ، تنجِّيهم من النار»(١).
وجميعُ الأنبياءِ قد أَتَوا بالأمرِ والنهيِ إلى حينِ موتِ العبدِ، فلا يصدر هذا القول ممن في قلبِه خضوعٌ وإقرارٌ بأن اللهَ إلهُ العالَمِ؛ لأن الإلهَ يُعبَدُ دائمًا.
وتَجَوْهُرُ النفسِ وصفاتِها وطهارتُها على الكمال عن الأكوان البشريةِ؛ ممتنعٌ في حقِّ البشرِ، ولهذا كان قول سلَفِ الأمةِ وأئمَّتِها أنَّ الأنبياءَ إنما هم مَعْصومونَ من الإقرارِ على الذنوبِ، وأن اللهَ سيدرِكُهم
(١) رواه ابن ماجه (٤٠٤٩)، والحاكم في المستدرك (٨٤٦٠).