للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كَتَمَ الْفَتَى خَبَرَ إِسْلَامِهِ عَنِ النَّاسِ؛ فَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَفْجَعَ أُمَّهُ الْمَشْغُوفَةَ (١) بِهِ بِنَبَإِ تَرْكِهِ لِدِينِهَا؛ لِمَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ عِنَادِهَا، وَمَدَى إِصْرَارِهَا عَلَى الْكُفْر …

وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ تَقِفَ قُرَيْشٌ عَلَى أَمْرِ إِسْلَامِهِ؛ لِمَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ عَزْمِهَا عَلَى الْبَطْشِ بِكُلِّ مَنْ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِنَبْذِ آلِهَتِهَا، وَخَاصَّةً حِينَ يَكُونُ فَتًى مِثْلَهُ يَقَعُ فِي الذُّرْوَةِ (٢) مِنْهَا، وَيَنْتَمِي إِلَى أَكَابِرِ مُتْرَفِيهَا.

* * *

وَقَدْ ظَلَّ الْفَتَى يَخْتَلِفُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ سِرًّا؛ فَيَسْعَدُ بِلِقَائِهِ، وَيَتَمَلَّى مِنْ مَوَاعِظِهِ …

حَتَّى رَآهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ؛ فَأَذَاعَ خَبَرَهُ بَيْنَ النَّاسِ.

* * *

مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَدَأَتْ مِحْنَةُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ …

فَلَقَدْ تَنَكَّرَ لَهُ أَبَوَاهُ بَعْدَ أَنْ عَجَزَا عَنْ رَدِّهِ إِلَى دِينِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ؛ فَقَطَعَا رِفْدَهُمَا (٣) عَنْهُ؛ حَتَّى غَدَا أَشَدَّ فَقْرًا مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَأَعْنَفَ بُؤْسًا مِنَ الْبُؤَسَاءِ …

وَقُرَيْشٌ تَصَدَّتْ لَهُ؛ فَسَجَنَتْهُ وَأَطَالَتْ سَجْنَهُ وَقَهَرَتْهُ وَلَجَّتْ (٤) فِي قَهْرِهِ، وَكَانَتْ تَظُنُّ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ بِذَلِكَ أَنْ تَصُدَّهُ عَنْ دِينِهِ …

وَلَكِنْ أَنَّى يَتِمُّ لَهَا ذَلِكَ، وَالْفَتَى قَدْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ.

* * *

وَلَمَّا هَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْحَبَشَةِ تَخَلُّصًا مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ؛ كَانَ الْفَتَى الْقُرَشِيُّ فِي زُمْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ.


(١) الْمَشْغُوفَةَ بِهِ: المحبة له المولعة به.
(٢) فِي الذُّرْوَةِ مِنْهَا: في مكانة عالية مِنْهَا.
(٣) الرِّفْدَ: المعونة والعطاء.
(٤) لَجَّتْ فِي قَهْرِه: تَمَادَتْ في قهره.

<<  <  ج: ص:  >  >>